د. ناجح إبراهيم يكتب: سيد أبو داود .. وداعاً
كتب د/ناجح إبراهيم مقالاً بعنوان: “سيد أبو داود .. وداعاً”، وتم نشره في جريدة الشروق اليوم السبت وهذا هو نص المقال:
• كانت زوجته الصحفية والكاتبة الشهيرة د. ليلي بيومي تقول عنه: كنت أتنفس من خلاله، كان يعطيني الزاد للحياة والعطاء للفقراء، لم يبحث يوماً عن الدنيا أو المال، لم يأمرني يوماً أن أصنع له طعاماً معيناً، إذا لم يجد شيئاً يأكله كان يأكل خيارة أو بعض الخضرة، كان بيته مفتوحاً للجميع، كان يحب الناس جميعاً، لم يكره في حياته أي إنسان حتى الذين أكلوا حقه تسامح معهم، وكذلك الذين خدعوه، يقول دوما: “الدنيا لا تستحق الخصام”.
• كان متصالحاً مع نفسه ومع الدين ومع الناس,وقبل ذلك كان متصالحاً مع ربه,كانت رسالته في كل كتاباته الدفاع عن الدين وثوابته,كان يتسامح مع الجميع إلا من يهاجم أسس الدين الواضحة أو يتجاوز في حق النبوة.
• كان يستضيف وزوجته أي مكروب ويتحمله تحملاً كبيراً,استضاف مرة جريحاً فلسطيناً وأمه,كانا عصبيين جداً مما أغاظ أولاده فكان يقول : لابد أن نتحملهم فقد تحملوا الكثير عن الأمة العربية.
• تقول زوجته كان دوماً يناديني”يا دكتورة ليلي”ولم ينادني باسمي إلا قبل موته بأيام,كان يرجو لقاء ربه,يقول لنفسه بين الحين والآخر”يالله بالسلامة يا نفسي,أنا أغبط الناس التي تموت”.
• كل من عاشره كان يرى فيه ملكاً متسامحاً لا يمت للبشر بصلة,ولا يمت للأرض وصراعاتها وأحقادها وأسافينها,كان مظلة لكل من حوله في هجير الحياة.
• قالت زوجته بعد فراقه السريع الذي فوجئت به: أنا أعيش اليوم هذه الآية”وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا”لا أدري ماذا أقول,ولا ماذا أفعل,ولا كيف أتصرف,ولا أين أتوجه,فقدت بوصلتي في الحياة كلها,كيف سأجد مرة أخرى إنساناً يحب الخلق جميعاً,ولم يضبط مرة يكره أحداً مهما قسا عليه أو ظلمه,بعد أن رأيته عدة مرات في مجلة المختار الإسلامي ونحن شباب قالت لي صديقتي الصحفية : ما رأيك في هذا الشاب قلت لها بتلقائية: هذا الذي أريد أن أتزوج مثله؟وارتبطت أرواحهما برابطة لم تنفصم أبداً.
• كان زاهداً في الدنيا إلي درجة كبيرة,ويتنازل عن معظم حقوقه,ولا يتنازل أبداً عن مبادئه,عمل فترة في جريدة حزبية فلما أراد أن يعين فيها قالوا له: لابد أن تدخل الحزب أولاً ثم تدخل الانتخابات,فقال: أنا أكره الحزبية والتحزب,ففقد العمل.
• كان يكره كل الإطارات التنظيمية,كان يعتقد أن الإطارات الحزبية أو التنظيمية أو إطار الجماعات هو سجن كبير وقيد لا فكاك منه وهو أقرب إلي المصلحة الدنيوية منه إلي المصلحة الدينية أو الوطنية.
• كان أول من نقد الحركة الإسلامية في الثمانينات وكلفه ذلك الكثير,ورغم ذلك كان يرى نقدها تصحيحاً وتصويباً لمسيرتها لا شماتة فيها أو إساءة أو شتم أو سب,كان ينقدها لوجه الله وحده,فلم يتكسب من وراء ذلك شيئاً,بل توقف عن نقدها عندما حلت نزيلة دائمة للسجون .
اقرأ أيضا للكاتب:
د. ناجح إبراهيم يكتب: الدين الإبراهيمي
ناجح إبراهيم يكتب: التحرش بالدين .. وأنياب الفيلة
د. ناجح إبراهيم يكتب: الحب مذهبي والرسل قدوتي
• كان زاهداً في الدنيا بشكل لم يسبق,لا يحب المظاهر ولا المناصب ولا السيارات,تكفيه لقيمات,كان يكره الاختلافات الفكرية والمذهبية التي لا طائل من ورائها,ورغم ذلك كان أول من حذر في الثمانينات من المد الإيراني في المنطقة العربية وكان يراه خطراً كبيراً للعرب ودولهم,وقد كان له عشرات الأبحاث والدراسات في ذلك,فكان سابقاً لزمانه وأقرانه,كان يرى التسامح مع الكون كله,وأن كل إنسان فيه مميزات وحسنات وعلينا أن نبحث عنها ونشجعه عليها.
• لما رأت زوجته هذا الزهد الكبير فيه خافت علي مستقبل أولادها المادي من تفريطه في حقوقه,فقال لها والدها وكان حكيماً”أنت رزق سيد,فلا تخافي”,وكأنه يقرأ طالع الأيام وأنها ستحسن تدبير الحياة والعيش لزوجها,ولذلك أراد زوجها المرحوم سيد أن يريحها من أي عناء إداري أو قضائي فكتب لها توكيلاً عاماً تتصرف من خلاله في كل أملاكه قبل أن يموت بفترة.
• لم يشترط علي أزواج بناته أية شروط,وقبل منهم إمكانياتهم المادية,مادام توفر فيهم شرطي الخلق والدين والكفاءة.
• هو أحد رواد الصحافة الإليكترونية في العالم العربي وأسس وأدار عدة مواقع كبرى منها ذاكرة الإسلام,رسالة الإسلام,لواء الشريعة,ومن كتبه”كتاب الصحافة الإليكترونية”وعلم عشرات الصحفيين كيفية إنشاء وإدارة المواقع الإلكترونية بطريقة صحفية شريفة وحديثة ومتطورة.
• كان لا يفرح ولا يشمت في أي إنسان ظلمه أو أكل حقه إذا أصابته جائحة أو مصيبة,ويردد: يا رب أنا سامحته,يا رب فرج كربه.
• كان يقول قبل موته بأشهر وقبل الأزمة الصحية إنني سأموت,عندما فقد معظم وعيه كان لا يردد إلا كلمتين: يا رب,الحمد لله.
• تقول زوجته الصحفية د/ليلي بيومي وهي تغالب دموعها”توسلت إلي الله كثيراً أن يبقيه لنا فنحن بحاجه إليه,ولكن الله اختار له اختياراً آخر”قلت لها :”إنه الاختيار الأفضل إنها الشهادة”شهيد الكورونا””.
• هو صحفي مخضرم ولكنه كان يرجو الشهادة ولا سبيل له إليها ولكن الله علم منه ذلك فمنحه هذا الوسام العظيم فقد مرض بالكورونا واشتد عليه المرض,حتى توفي شهيداً ليدخل ضمن حديث الرسول صلي الله عليه وسلم”المبطون شهيد”,”والمطعون شهيد”أي الذي أصابه الوباء ومات منه.
• حينما ناولت هذا المقال لزوجتي لتبدي رأيها فيه,قالت:كأنك تتحدث عن نفسك وليس المرحوم/سيد أبو داود قلت لها :إنه يكاد يشبهني تماماً في أمور كثيرة,وحينما عاشرته وجدت أننا قريبي الطباع والأخلاق.
• رحم الله الصحفي الإنسان المتسامح د/سيد أبو داود