القاهرة الساحرة.. السيرة والمسيرة

 

طارق السيد متولى  سردية يكتبها: طارق السيد متولى

عند هذه البقعة من الدلتا التى يتفرع عندها النيل فى طريقه إلى الشمال نشأت هذه المدينة التى تربط الوجه القبلى بالوجه البحرى فى مصر.

هذه المدينة التى أطلق عليها أكثر من اسم قبل ان تستقر اخيرا على اسم القاهرة.

والقاهرة قدر لها أن تشهد على التاريخ البشرى منذ بزوغ فجر الحضارة المصرية القديمة أقدم الحضارات فى العالم إلى الآن، وصار لدينا مدينة تحكى تاريخ العالم.

الفرعونية

فى البداية اتخذها القدماء المصريين عاصمة لهم فى منف وظلت كذلك معظم فترات حكم ملوك الدولة المصرية القديمة حتى عندما انتقلت العاصمة فى فترة من الفترات لطيبة فى الجنوب كانت منف مقر الجيوش والإدارة العسكرية.

وعندما أتى الرومان واتخذوا الإسكندرية عاصمة لهم بدلا من القاهرة لقربها من البحر ظلت القاهرة مركز للتجارة والحياة الإجتماعية والثقل الحضارى للدولة.

الفسطاط

ثم جاء الفتح العربى فأعاد لهذا الموقع أهميته عندما أسس عمرو بن العاص مدينة الفسطاط لتكون عاصمة للحكم.

وكانت الفسطاط مدينة مزدهرة وعامرة حتى عهد آخر الولاة الأمويين مروان بن محمد عندما طاردته جيوش الخلافة العباسية فى مصر وتمت هزيمته على يد قائد الجيوش صالح بن على فتخرب جزء كبير من الفسطاط.
وبعد أن استقر الحكم للخلافة العباسية فى مصر شرع الوالى ابن عون الذى خلف القائد صالح بن على فى بناء مدينة جديدة لتكون مقرا للحكم سميت بمدينة العسكر، جهة الشمال من مدينة الفسطاط لتكون مساكن للجند ولهذا أطلق عليها اسم مدينة العسكر بعدها استقل احمد بن طولون والى مصر عن الخلافة وأسس الدولة الطولونية ومن ثم شرع فى بناء مدينة جديدة وأقطع جنوده وحاشيته أراضى فى الإمتداد الشمالى الشرقى لمدينة الفسطاط والعسكر ولهذا سميت مدينة القطائع .

الفاطمية

ومع ظهور الدولة الفاطمية فى المغرب كان حلم حكامها أن تكون مصر هى مقر خلافتهم.

وبعد محاولتين فاشلتين لغزو مصر جاء الخليفة الفاطمي المعز لدين الله الذى كان مولعا بالفلك والتنجيم مثل بقية أسلافه وأخبره المنجمون أنه سيدخل مصر التى يحبها كثيرا فعمل على تجهيز أكبر حملة عسكرية لغزو مصر.

وبالفعل نجح قائد الجيش جوهر الصقلي فى هزيمة العباسيين ودخول مصر وبمجرد إستبباب الأمر له شرع فى بناء مدينة القاهرة الحالية عام ٣٥٨ هجرية ٩٦٩ ميلادية.
عمل القائد جوهر الصقلي على تأسيس مدينة جديدة للحكم فى نفس الإتجاه الشمالى من المدن القديمة فأسس مدينة القاهرة، وكانت فى بداية الأمر تسمى المنصورية نسبة إلى مدينة المنصورية التى بناها الفاطميون فى بلاد المغرب.

وجمع القائد جوهر الصقلي المنجمين وطلب منهم اختيار يوم حسن الطالع للبدء فى بناء المدينة وصادف ذلك كما ذكر فى خطط المقريزى ظهور المريخ، وهو قاهر الكواكب فرأى تسميتها باسم القاهرة التى تقهر أعداءها.

رواية أخرى

وفى رواية أخرى للرحالة الخراسانى ناصر بن خسرو فى كتابه الممتع سفرنامة المحفوظ بالمتحف الإسلامى بالقاهرة ذكر أنها سميت بهذا الاسم لأن جيشها لا يقهر .
ومنذ ذلك الوقت انتشر العمران فى القاهرة وبنى الجامع الأزهر عام ٩٦٩ م، وقصر الخليفة ودور الأمراء والجند.
وامتد العمران أكثر فأكثر فى عصر الدولة الأيوبية والمماليك وتم بناء قلعة صلاح الدين بأسوارها العظيمة وبناء الكثير من الجوامع والمدارس والأسواق حتى شمل هذا العمران وامتد مكونا أحياء القاهرة الرئيسة مصر القديمة والجمالية والحسينية والظاهر والأزبكية وبولاق والمقس (باب الحديد ) ومنية مطر (المطرية) وعين شمس.

تاريخ عظيم

هذه هى معالم القاهرة التاريخية باختصار هذه المدينة التى يروى كل حائط وكل بناء فيها تاريخ عظيم لازدهار هذه المدينة العظيمة القاهرة حيث كانت ملتقى الأديان والنشاط الإنسانى وعاصمة الفنون والحضارة والصناعة والتجارة والأسواق والحرف اليدوية الدقيقة وكان لكل مهنة وحرفة سوق خاص بها ومكان منظم ومخطط، مثل الصاغة وسوق النحاسين والخيامية والفخار والخزف وسوق السلاح ما يدل على تنظيم هذه المدينة وحسن تخطيطها حتى أنه كان يأتى إليها الرحالة والعلماء من كل أنحاء العالم ليشاهدوا حضارتها ومبانيها وتنظيمها الذى لم يكن له مثيل فى العالم ويتعلموا فيها.

الأزهر

وتحول الجامع الأزهر الى جامعة لدراسة العلوم الدينية، فكانت أول جامعة عرفها العالم آنذاك.
وكان لهذه المدينة العامرة أكبر الأثر فى حياة أبناءها وتقدمهم وسلوكهم فتميز المصريون فى هذه المدينة الجميلة بالرقى والتحضر ويشهد بهذا تاريخنا القريب.
وصار الآن لزاما تطوير القاهرة التاريخية التى أصابها الإهمال فى العقود الأخيرة وانتشر فيها البناء العشوائى والإعتداء على مبانيها الأثرية العريقة وطمس زينتها وزخارفها، وهو مشروع يعد من أهم المشروعات التى تقوم به الدولة المصرية الآن ولا ابالغ فى القول ان قلت إنه النهضة الحقيقة لبلدنا الحبيبة مصر.

البعد الإجتماعى

والبعد الإجتماعى الذى تعمل عليه الدولة المصرية الآن والهدف من تطوير احياء القاهرة القديمة هو أن يعيش كل مواطن مصرى فى كل مكان على أرض مصر حياة راقية يتمتع بالجمال والتحضر فقد عانينا فى العقود السابقة القريبة، من وجود أحياء راقية وأحياء فقيرة، أحياء شوارعها منظمة ونظيفة وأحياء شوارعها عشوائية لا يهتم بها أحد.
مشروع إعادة تطوير القاهرة التاريخية واحياءها مشروع كبير يحتاج منا الإشادة والدعم والمساعدة والوقوف بجانب الدولة للنهوض بمصر والمصريين ليعود للمواطن المصرى عظمته ومكانته بين الشعوب، ولتزدهر القاهرة درة المدائن من جديد وتزدهر حياة أهلها.

طالع المزيد:

زر الذهاب إلى الأعلى