رشا ضاحى تكتب: رحلة مع أسماء الله الحسنى.. (32) الواسع

في رحلتنا المتواصلة مع أسماء الله الحسنى نتحدث اليوم عن اسم الواسع.

ورد اسمه تعالى (الواسع) في القرآن الكريم تسع مرات، اقترن في سبع منها باسمه تعالى العليم، منها قوله تعالى: ﴿وَأَنكِحُوا الأَيامى مِنكُم وَالصّالِحينَ مِن عِبادِكُم وَإِمائِكُم إِن يَكونوا فُقَراءَ يُغنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَليمٌ﴾ (النور: 32)

وجاء مقترنًا باسمه الحكيم مرة واحدة كذلك في قوله تعالى: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ﴾  (النساء: 130)

وفي معنى هذا الاسم الكريم يقول الخطابي: الواسع: هو الغني الذي وسع غناه مفاقر عباده، ووسع رزقه جميع خلقه،

 والسعة في كلام العرب: الغنى.

 ويقال: الله يعطي عن سعة أي عن غنى .

ويقول الطبري  عن قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 115) : يعني جل ثناؤه بقوله واسع أي يسع خلقه كلهم بالكفاية والاتصال والجود والتدبير .

ويقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: الواسع الصفات والنعوت ومتعلقاتها بحيث لا يحصي أحد ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، واسع العظمة والسلطان والملك، واسع الفضل والإحسان، عظيم الجود والكرم .

والله سبحانه من واسع رزقه تكفل برزق جميع الخلق مهما كانوا وأينما كانوا، مسلمين وكافرين، إنسًا وجنا، طيرًا وحيوانا، قال تعالى: ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ (هود 6)

وكلمة ( الدابة ) جاءت نكرة لتفيد الشمول، لتشمل هذه الكلمة كل شيء يدب على وجه الأرض.

ويلاحظ في هذه الآية الكريمة ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ (البقرة: 261)، 

أنها قد جمعت بين اسمه تعالى (الواسع) واسمه تعالى (العليم)؛ وذلك لإبراز كرم الله ومضاعفته التي لاحدود لهما، فإنه واسع العطاء واسع الغِنى واسع الفضل، على أن سعة عطائه لا تقتضي أن يحصل عليها كلُّ مُنْفِق، فهو وحده الذي يعلم من تصلح له هذه المضاعفة، ومن لا يستحقها ولا هو أهل لها، فإن كرمه وفضله لا يناقض حكمته، بل يضع فضله في موضعه لسعته ورحمته، ويمنعه من ليس من أهله بحكمته وعلمه.

ويُرْوَى أن هذه الآية نزلت في عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنهما؛ ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد الخروج إلى غزوة تبوك، حَثَّ الناس على الإنفاق في سبيل الله، وكان الجيش يومئذٍ بحاجة إلى الجهاز، فجاءه عبدالرحمن بن عوف بأربعة آلاف.

 وقال عثمان بن عفان: “عليَّ جهاز من لا جهاز له”، فجهَّز الجيش بألف بعير ، وقيل إنه جاء بألف دينار ذهبًا، فصبَّها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلِّبُها في حجره ويقول: ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم.

وتتجلى من خلال اسم الله الواسع وتدبر معناه آثار إيمانية في حياة الفرد وتنعكس على إيمانه وعقيدته ومعاملاته وسلوكه ومن ذلك:

أنّ سعته سبحانه وتعالى ليست كسعة خلقه؛ الذين يعتريهم الذهول والغفلة عن ممتلكاتهم، وأما الله جل جلاله  فهو مع سعة ملكه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السّماء؛ فيزيد اتصال المؤمن بربه ويلجأ إليه ويسأله من فضله، وإن تأخر عليه فذلك لحكمة وعند العبد يقين بأن الله لن ينساه، وأن خزائن جوده لا تنفد رغم كثرة الخلق وحاجاتهم، فيطمئن ويحسن الظن بربه. 

ومن الأثار أيضًا أن يُعَظِّم العبد ربَّه في قلبه وفي كل تصرفاته، فلا يتصرف تصرفًا لا يليق بذاته، فمن علم أنه تعالى هو الواسع رحمة وعلمًا وقدرة، جمع بين الخشية والرجاء، في كل أوقاته وأحواله، فقد بيَّن الله ذلك في كثير من آياته؛ فرحمته وسعت كل شيء، وما دام الله يعطي العبد ويوسع عليه ويحسن إليه، فعلى العبد أن يوسع على العباد إبتغاء رحمته وعفوه سبحانه وتعالى.

 وحتى نلتقي دمتم في رعاية الله وأمنه.

اقرأ ايضا للكاتبة:

 

زر الذهاب إلى الأعلى