إسلام كمال يكتب: « الإمبراطورية الإسرائيلية! »

بعيدا عن الاتهامات الاعتيادية بنظريات المؤامرة المختلة والمستفزة، فإن إسرائيل المستفيد الوحيد من كل التوترات التى يشهدها الشرق الأوسط، الأدنى والأقصى، في ظل موجات الفوضي الخلاقة، التى تضرب المنطقة منذ بداية الألفية على تنوعها وتعقدها، حتى أصبح الإقليم بحق، الشرق الأوسط الإسرائيلي!

فالأيدى الإسرائيلية أصبحت تمتد لنقاط لم يكن أكثر المتشائمين سوداوية تصورها، فلم تعد تقريبا سوى الجزائر الباقية بلا تطبيع، ولم تكد سوى مصر تقريبا الباقية على التطبيع السوى المنظم.

ومن هذا المنطلق، لا أتوقف عن المطالبة بمؤتمر مصري أولا ثم إقليمى لوضع أسس جديدة لثوابت ومعايير الأمن القومى المصري والعربي في ظل تغيير خريطة التحديات والتهديدات، خاصة أن العديد من البيئات الصديقة أصبحت معادية أو على الأقل مقلقة.

إسرائيل التى أصبحت تمتد أذرعتها علنية، بعد ربع قرن من السرية على الأقل، في كل ربوع الخليج العربي، تحقق انتصارات استراتيجية إعجازية، يجب الاعتراف بذلك لمواجهته، فلن تكون مبالغة لو تحدثنا عن إننا في عصر “الإمبراطورية الإسرائيلية”!

ولو تحدثنا عن العلنى، وما خفي كان أخطر وأعقد، فالغواصات الإسرائيلية تلهو في ربوع البحر الأحمر والخليج العربي، كما يحلو لها، ونقاط الموساد توسعت بشكل غير سري في العديد من النقاط الاستراتيجية الخطيرة في كثير من الدول العربية، وامتداداتها التى لا تصل لها بعض أجهزة المخابرات العربية.

فالموساد أصبح مرجع للعديد من القوى الغربية للمستجدات السودانية والليبية والمغربية واليمنية وطبعا السورية، وأصبحت الأجهزة الإسرائيلية تتباهى بتواجدها في جزيرة سقطرى اليمينية الاستراتيجية فى اليمن، ولا تخفي قيامها بعمليات معقدة داخل العمق السورى لصالحها ولصالح قوى أخرى، بخلاف الغارات الاعتيادية على الأراضي السورية، التى لم تتحفظ عليها روسيا، سوى لموقف إسرائيل المائع من الأزمة الأوكرانية، والتى من الممكن أن تكون مشكلا رئيسيا في العلاقات الروسية الإسرائيلية الساخنة على كل التحديات التى مرت بها خلال السنوات الأخيرة.

ولن ننسي أن القلق الإسرائيلي من انتقال التكنولوچيات، هو السبب الوحيد الذي يؤخر انتشار منظوماتها الدفاعية حيتس والقبة الحديدية، في الإمارات والسعودية والبحرين في ظل التهديدات الحوثية المتزايدة، وأصبح اعتياديا التنسيق العسكرى والمخابراتى عالى المستوى بين الإسرائيليين والخلايجة، لدرجة تواجدهم العلنى المستمر في نقاط عديدة هناك.

المشهد في غاية الحساسية والتعقد، ويحتاج لتدرس وتريث، حتى لا تظهر الدولة المصرية في شكل المعطل للمد الإسرائيلي، خاصة إن إسرائيل تقدم نفسها على أساس إنها حامية دول عربية من أخطار بعينها، وأبرزها طبعا الخطر الإيرانى الوهمى، والذي من المفروض إنه يمتد كالبعبع الكارتونى من الخليج إلى المغرب، ولذلك وغيره تتواجد إسرائيل هناك!

وكان واضحا الموقف المصري على سبيل المثال، من أزمة اختيار إسرائيل كمراقب في الاتحاد الإفريقي، ثم رفضها بقيادة مباشرة من الجزائر وجنوب إفريقيا، وغير مباشرة من مصر، والبعض يعتبر هذا كياسة ما، والقليل يعتبره تراجع ما، وعن نفسي أتصور أن المشهد وتطوراته يحتاج منا بعض التروى في اختيار أسلوب المواجهة، بل حتى اختيار مصطلحات التعامل، فلا نقود طبعا معسكر للممانعة بأى شكل من الأشكال، كما يطالب البعض، بل علينا أن نقود معسكر لتطوير الرؤي والاستفادة من المستجدات، لا الوقوف ضدها، لأن التيار قوى، ويجب أن نكون أكثر دهاء، من العدو الذي أصبح حليفا للأشقاء، ولنا في بعض الملفات.

إسرائيل التى احتفلت بمرورها العلنى فوق السموات السعودية خلال زيارة الرئيس الإسرائيلي الأخيرة للامارات، رغم إنهم يستخدمونها سريا منذ فترة.

وإسرائيل التى تستخدم بعض الأجهزة العربية برامج تجسسها وأشهرها بيجاسوس، وإسرائيل التى أجبرت العرب على السلام الاقتصادى الذي مبدؤه السلام مقابل الاقتصاد والتكنولوجيا والحماية، لا السلام الساداتى، الذي مبدؤه الأرض مقابل السلام.

وإسرائيل التى تستفيد من التطورات الإقليمية والعالمية، إن لم تكن تتورط في افتعال بعضها، يجب أن نواجهها بشكل مختلف، فهى الآن تنتشر في آسيا الوسطى ودول الاتحاد السوفيتي القديم الاستراتيجية، بحجة المد الإيرانى وغيرها، وكان ولايزال دورها واضح في الأزمة الأذربيجانية بل والأفغانية، وها هو دورها واضح في الأزمة الكازخية، وايضا الأزمة الأوكرانية المحورية، إن كان عسكريا أو مخابراتيا أو سياسيا.

وها هى أيضا تقترب من تطبيع مع لبنان بحجة الغاز وخلافه، بكل تعقيداته ومنها مصير حزب الله، الذراع الإيرانى الأقدم بين كل أذرعة إيران بالمنطقة المفيدة جدا لإسرائيل، وكأنها تبيض لها بيضا استراتيجيا ذهبيا بل ماسيا، فلولاها لما انتشرت إسرائيل علنية في الخليج تحت العنوان المستفز “التطبيع الإبراهيمى”.

ولولاها لما استباحت سوريا بهذا الشكل المذرى وسط سكوت بل تهليل عربي، وفي وقت ترفض الجامعة العربية عودة سوريا إلا بشروط، تتزايد الأنباء عن محاولات للتطبيع بين سوريا وإسرائيل، أول شروطها أن تنسي سوريا الجولان تماما.

واقع مرير، لم نكن نصدق أى نعيش حتى نراه، لكن إلى متى نعيش في أجواء الصدمة، وتشلنا، ولا نواجهها بطريقة سليمة، لا متعجرفة ولا صبيانية ولا حنجورية، نحتاج بعض الدهاء والحربائية، وتشغيل حقيقي لكل المراكز الاستراتيجية الوطنية حتى يقدموا لنا السيناريوهات المختلفة في كل المجالات وكل الأوضاع.

وللحديث أكيد بقية

اقرأ أيضا للكاتب:

زر الذهاب إلى الأعلى