أمل محمد أمين تكتب: قيمة الحياة
توفي يوم الأحد الماضي اثنان من المشاهير أنيسة حسونة الكاتبة والرئيس التنفيذي لعدة مستشفيات خيرية، وزياد إيهاب حارس مرمى الناشئين في النادي الأهلي.
اقرأ للكاتبة أيضا.. أمل محمد أمين تكتب: النهاية
أمل محمد أمين تكتب: حق الشهيد
اشتهرت أنيسة خلال عملها كرئيس تنفيذي لمستشفى مجدى يعقوب للقلب ثم مستشفى الناس وعرفها الناس بسبب محاولاتها الدؤوبة لمساعدة الغير خاصة الأطفال، وتعرف إليها المجتمع أكثر بعد نشرها لقصتها مع مرض السرطان، حيث وصفت أنيسة هذه الرحلة بطريقة بارعة غلفتها بنوع من الدعابة والحزن الهادئ، واستطاعت أن ترسم لكل من قرأ الكتاب لوحة متباينة الأبعاد توضح حجم معاناة مريض السرطان منذ الصدمة الأولى لمعرفة الإصابة بالمرض، وإنكار الأمر ثم مقاومة الفكرة وتقبل الحقيقة والتعامل وبدأ العلاج.
لكن أكثر ما يثير الانتباه في قصة أنيسة أنها أصيبت بانتكاسة ثلاث مرات، ومع ذلك لم تتوقف ولا لحظة واحدة عن العمل وعن الحياة مع أسرتها وخدمة مجتمعها على الرغم أن في واحدة من تلك الضربات الجديدة بمرض السرطان جعلها العلاج قعيدة الكرسي المتحرك، ومع ذلك استمرت أنيسة في الحركة كأنها تأبى أن يهزمها المرض بل هزمته هي باستمرار أعمالها حتى بعد رحيلها عن الحياة.
وفي نفس اليوم الذي صعدت فيه روح أنيسة إلى خالقها، رحلت أيضا روح زياد إيهاب، لكن لسبب مختلف تماما بحسب التقرير الذي صدر عن النيابة العامة والذي بين أن زياد انتحر بسبب مشكلة نفسية يمر بها .
هل كانت تلك هي الحقيقة فالجميع يشهد للاعب بحسن الأفعال ودماثة الأخلاق، لم يكن زياد لاعب ناجح فقط بل كان محط الانظار ويتوقع له الجميع مستقبل باهر، لقد استطاع زياد أن يحقق حلم العديد من الفتيان الذين يلعبون تحت الكباري وفي نوادي الشباب ويداعب خيالهم كل يوم أمنية أن يكتشفهم أحد المدربين ليبدأ رحلة الاحتراف.
وبغض النظر إذا كان زياد انتحر أم لا! فشريط الأحداث يشهد يوميا خبر انتحار فتى أو فتاة؛ بسبب خلافات عائلية، أو تنمر، أو محاولات ابتزاز، ونادرا ما نقرأ انتحار مسن أو مسنة..
فهل اختلاف الأجيال أو طريقة التعليم والتربية هي السبب في رخص قيمة الحياة بالنسبة للجيل الجديد.
وكيف لمن سبقونا أن يقدروا قيمة الحياة ويتمسكون بها ويحاولون أن يثروا أيامهم بذكريات سعيدة ومساعدة غيرهم وأنفسهم على تحويل المتاعب إلى نجاح.
بينما يشعر صغار السن بتفاهة الحياة والنعم التي يحصلون عليها مقابل خسارة قد تداهمهم فجأة.
وهنا علينا أن نسأل أنفسنا كيف نعود إلى أًجيال القوة والأصالة؟ كيف نبني من جديد جيل مثل تلك الأجيال التي عاصرت الحروب وصعابها لكنها استمرت ونجحت في عبور المحن ورسمت واقع أجمل من الماضي.
هل السبب وراء انتشار الهشاشة النفسية؛ تفسخ العائلة وزيادة ساعات العمل واللهاث وراء أمجاد شخصية تافهة.
لقد فقدنا القدرة على الاستمتاع باللحظات السعيدة دون أن نأخذ لقطة بالموبايل وأصبح كل همنا أن يرانا الناس على وسائل التواصل نعيش ونتنفس ونتحرك دون أن نعرف أو نشعر بمعنى وقيمة الحياة الحقيقية.
وفي اعتقادي أن الحل يكمن في الابتعاد عن الرفاهيات والكماليات التي ملأت حياتنا الأن وجعلت الأطفال والمراهقين يرغبون دائما في الحصول على ما يريدون وبمنتهى السرعة، دون تعب او مجهود او انتظار وبالتوازي اصبح الأباء حريصون على تلبية تلك الرغبات مهما كانت غريبة او مكلفة اعتقادا منهم ان هذا سيجعل اولادهم سعداء غير مدركين ان هذا يملؤهم بالخواء والفراغ ويتحول الأطفال إلى دمى تحركها كل ما يمليه عليهم أهواءهم، كما يتحول الطفل بسبب كل هذا الدلال إلى شخص ساخط دائما وغير راض عن النعم التي يملكها ويتطلع إلى ما يملكه أقرانه دون أن يشعر بالشبع أو السعادة بل يظل في حالة نهم للمزيد وفي اللحظة التي لا تتحقق رغابته تسحقه التداعيات النفسية الناتجة عن عدم قدرته على تقبل الرفض والخسارة مهما كانت بلا قيمة.
الحل بدون شك هو أن يتعلم الطفل منذ ولادته أن الحياة لن تعطيه كل مايريد وستهب الرياح كثيرا عكس ما تشتهي سفنه، ومع ذلك سيظل هناك الكثير من النعم والفرص التي تجعله يستمر في الإبحار.