طارق السيد متولى يكتب «يوميات زومبى» (٢٧): الزومبى المفكر
قبل دخول شهر رمضان كنت بصحبة أحد الأصدقاء، وهو مسلم أمريكى الأصل اسمه طه، وكان على وشك السفر والعودة إلى أمريكا قبل بداية شهر رمضان فقلت له بسذاجة : كنت أتمنى أن تطول إقامتك لتحضر شهر رمضان معنا فى مصر لتعيش أجواء الشهر الكريم فقال لى مباشرةً : لا أنتم هنا تحتفلون فى رمضان بالطعام والشراب والمسلسلات والفوازير أما نحن فى أمريكا فنخصص الشهر لمدارسة القرآن فى مسجد المركز الإسلامي قلت له وكيف عرفت هذا ؟ ليس كل الناس هنا يفعل ذلك ! فأجابنى أنا اقرأ كثيرا عن مصر، وأعرف هذا من بعض الأصدقاء المصريين فى أمريكا.
قلت له : أليس فى أمريكا مسلسلات وأفلام وهى بلد السينما والترفيه ؟
قال : نعم هناك مسلسلات وأفلام كثيرة لكن الأمر مختلف فنحن ليس لدينا هذه الأطباق المنتشرة عندكم فوق أسطح البنايات التى تلتقط بث كل القنوات فى العالم وليس لدينا قنوات مفتوحة أصلا، فالتليفزيون عندنا يعمل بطريقة الكابل يحدد الشخص القنوات التى يريد مشاهدتها ويشترك فيها ويشاهدها هى فقط .
وأضاف كما أن المسلسلات عندنا ليست كثيرة، أنا اسمع أن عندكم أكثر من ثلاثين مسلسلا تعرض فى وقت واحد فى شهر رمضان، ثم أننا لا نسهر بأى حال من الأحوال بعد الساعة العاشرة مساءا ، نحن فى أمريكا ننام مبكرا، فى العاشرة مساءا على أقصى تقدير كى نستيقظ قرب الفجر للعمل .
تمنيت له رحلة سعيدة وحزنت على حالنا فى رمضان الذى أصبح يصعب على الأمريكى، لكنى قلت فى نفسى: نحن نعيش حياة فوضوية عجيبة فلا نظام ولا ترتيب ولا توقيت محدد لأى شىء نعمل كل شىء فى أى وقت، ننام فى أى وقت، نستيقظ فى اى وقت، نخرج فى اى وقت، لا نعرف ترتيب ولا أولويات ولهذا تتخبط حياتنا وتتعقد دائما مثل الخيوط المتشابكة فى بعضها البعض ونصبح زومبى فى النهاية .
.. المهم ذهبت إلى المكتب اليوم لأقابل زومبى من نوع آخر وهو الزومبى المفكر مثل زميلى خالد الذى يحاول الظهور دائما بمظهر المثقف الذى لديه كل الحكمة والعلم فى كل شىء.
كنا نتحدث فى المكتب أنا وهو ومديرنا الأستاذ منصف، حديث عام بعيدا عن العمل، كان أستاذ منصف يسأل عن رحلات الحج هذا العام ويخبرنا أنه ينوى الحج ويسأل عن أسعار الحج السياحى والأعداد المسموح بها، وفجأة تفتق ذهن المفكر خالد عن فكرة جهنمية حيث قال موجها كلامه لنا بكل فخر وغرور كمن اكتشف الذرة:
“لماذا لا يكون الحج طوال العام بدلا من مرة واحدة فى العام حتى نتجنب الزحام ويحج أكبر عدد من الناس ؟!”.
وقبل أن استوعب كلامه فوجئت بأن الأستاذ منصف يرد قائلا : “صحيح ، تخيل لقد اقترحت هذا من قبل لكنهم اعتبرونى مجنونا،.. حتى أنت يا أستاذ منصف طلعت زومبى لا حول ولا قوة إلا بالله.
هذا النوع من الزومبى ممكن أن نطلق عليه الزومبى السفسطائى وهو منتشر فى الصحافة والإعلام والسياسة والاقتصاد وفى كثير من المجالات، وسوف احدثكم عنه فى مرة قادمة بإذن الله.
نكمل فى يوم اخر من يوميات زومبى فإلى اللقاء.