الربيع الرحيمة إسماعيل يكتب: بين ثقافة التوقع والسؤال.. آن الأوان لتعرف
أذكر و لا أنسى أيام المرحلة الثانوية أن قريباً لي بالمنزل من ذوي الحس المفرط ، عاد حين مساء بعد يوم طويل و حين سألته عن العشاء رد بقصة متشعبة الأحداث ثم انتهى دون الإجابة على السؤال، فما كان مني إلا أن كررت كلامي : أأفهم مما تقول … أنك لم تتعشى بعد ؟
فرد مستحياً بالإيجاب.
ما لم أكن أعيه آنذاك أنه كان ممن يفضلون انتهاج “التوقع” “Guess Culture ” كآلية للتواصل.
بينما أنا على النقيض و دون وعي مني ، كنت أتبنى ثقافة “السؤال المباشر” “ask Culture ” .
و لكن ما الذي أعنيه بثقافة التوقع و المباشرة ؟ و ماذا يمكن أن يضفي إليك معرفة تلك المفاهيم ؟ ولماذا إدراك الفرق بين المفهومين قد يحفظ علاقتك من مطب سوء التفاهم و الإنزلاق نحو الهاوية؟
هذا ما أود أن أدلف إليه بعمق في السطور التالية، وربما بإدراكك للمفهومين ستصبح أكثر فاعليةً في فهم ذاتك و فهم الأخر.
ما حدث في قصة قريبي أنه و بعد أن روى لي تلك الحكاية الطويلة كان “يتوقع” مني بذاك الإلتواء و عدم المباشرة، أن أفهم ما يطلبه دون حاجة للسؤال الواضح، بينما أنا على النقيض كنت ممن ينتظرون الطرح المباشر للطلب حتى أتفهم الأمور.
قد يبدو تبريراً غريباً لتبلد شعوري أغرب أليس كذلك؟ لكني كنت حينها أمثل فريقاً لا يستهان به من واقع الحياة، أعني فريق “السؤاليون” Askers ، و يقابلهم بالإتجاه الآخر المتوقعون “Guessers” .
و هذا الأمر على ببساطته قد يودي للكثير من سوء التفاهم و الخلافات في العلاقات، فكم من حوار انتهى بجملة “لو مهتم كنت عرفت!” كان من خلفه آلية توقع من الطرف الآخر لم يستجيب لها الأخير .
الطبيبة النفسية الأمريكية “إيما ماكدام” و المهتمة بهذا النوع من الإطروحات، تروي عن زوجها أنه كان “سؤالي” التوجه والتفكير “asker” ، و هي كمتوقعة.. كانت تأمل دوماً حين إعداد الطعام وترتيب السفرة أن يقوم بمساعدتها “أي أنها تتوقع” لكن و لأن ذلك لم يحدث في أغلب الأحيان كانت تضطر لسؤاله مباشرةً في القيام بذلك، وكان يستجيب بكل حب وإحسان.
تضيف: “تأكدت فيما بعد أنه لا جدوى من محاولة الإنتظار و التوقع لكونه سيشعر لوحده، بل ظللت أطلب منه في كل مرة”.
السؤاليون و إن بدوا مباشرو الحديث، بقليل من الوقاحة أو غير مريحين أحياناً.. إلا أنهم جليون بلا تكلف، عكس ذوي التوقع، ممن يجدون صعوبة في الوضوح، يميلون إلى عدم التأكيد في الحديث ومفرطي الحس في التواصل.
أيُّ الطريقتين أفضل؟ و أيهما يجب عليك تبنيها ؟
في واقع الأمر كلا الطريقتين وسائل للتواصل و إيصال الأفكار، لكن لو كان علي أن أسدي نصحاً بهذا الشأن فعليك إتخاذ الخطين بأفضل صورة ممكنة، فالمزيد من لغات الخطاب يعني مزيداً من حس التعبير، و أحياناً قد تفرض عليك البيئة حولك إنتهاج السؤال المباشر، لذا لا تدع لعدم الراحة في التعبير أن يكلفك الوضوح.
و إن كنت سؤالياً ، فحاول أن تكون لطيفاً و مراقباً ما أمكن، و لعلك وقتها فقط… ستصبح “مهتماً” لتعرف.