أحمد عاطف آدم يكتب: رمضان وابتسامة وداع

مع انشغالي الكبير بأيامي الأخيرة في حياة الناس، من صيام وذكر ونفحات ربانية ورحمات، وجدتني أتأمل ذاكرتهم وهي تدون ملاحظاتها الشيقة ككل عام، تصف الحزن الكبير على قرب فراقي المؤقت لهم، قبل أن أهل عليهم مجددًا في العام القادم بمشيئة الله…

سمعت رجل يقول لصديقه بتأثر شديد: “هل تعرف يا صديقي، أنني أكثر الناس حزنًا لقرب رحيل الشهر الكريم، أحدهم كان يقول لابنه خارج منزلي المتواضع، بعد أن تذكراني من زكاتهما وانصرفا، بسم الله الرحمن الرحيم”يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا” صدق الله العظيم، ثم بدأ يشرح له معنى النص القرآني، قبل أن يتلاشى صوت حديثهما بتباعدهما رويدًا رويدا.. والحقيقة أن هذا هو حالي بالفعل، تقاعدت عن العمل في سن صغيرة لعلة مرضية، أعتمد على معاش يكاد يكفيني أنا وزوجتي وبناتي، لكنني لا أطلب من أحد – بل من الله وحده، يرسل لي جنوده من الخيرين، ومعهم رزقه الذي لا ينقطع خلال رمضان، أكثر من باقي أيام العام.

وفي أحد الطرقات بالشارع كان يجلس آخر يعمل ماسحًا للأحذية، سأله وجيه من زبائنه الدائمين عن حاله قائلًا: كيف حالك يا رجل في رمضان، ولماذا لم أركَ هنا كل يوم كعادتك!؟ – فرد بفرحة قانعة: “لشهر العظمة تجليات ونفحات أستاذنا الفاضل، منها تناوب أبنائي الستة على دعوتي للإفطار طوال أيام الشهر الكريم مع أحفادي، وإراحتي كثيرًا من عملى خلال الصيام. ورغم أنني حزين من جفائهم طوال العام، بعد رحيل زوجتي، وانشغالهم عني بأعمالهم وحياتهم المستقلة، وبداخلي غصة تجاههم تقطع أوصالي – إلا أنني لا أعرف لماذا أقبل دعوتهم فى شهر المغفرة بفرحة طفل، كأنه يرى والده بعد سفر طويل امتد لشهور دون سؤال واحد، تعمد تجاهله بجحود أعمى،،، هل تعرف من أنساني حقي عليهم، إنه رمضان، ليته لا يفارق حياتي البائسة”، ثم بكى دون توقف.

سيدة أخرى وليست أخيرة تعمل موظفة بأحد الهيئات، كانت تحكي لوالدتها عقب عودتها من عملها، عن أخلاق الناس في الشهر المعظم.. تقول وهي تبتسم، “والله يا أمي أتعجب لحال بعض زملائي، أصبح كل منهم شيخًا جليلًا ناصحًا لزملائه، قارئًا مداومًا على القرآن الكريم ومحافظًا على صلواته فى أوقاتها، وبعد انتهاء الثلاثون نفحة، يعودون كما كانوا، ينمون ويطعنون ويستبيحون كل ما لا يرضي رب رمضان – لا أعرف سر هذا التحول البغيض، هل هذه هي طبيعة البشر بالفعل، أم أنها مستجدات لم تكن موجودة بزمانكم يا ست الحبايب!؟”، تنظر إليها والدتها وهي تتحسر على الأخلاق، التى تبدلت كثيرًا للأسوأ عن الزمن الجميل، ثم تدلي بحكمتها وهي تُذكر ابنتها بالحديث الشريف «كل بني آدم خطاء، وخير الخطّائين التوابون».

تلك الصور هي جزء من الكل، أتركها بين أيديكم تتأملونها بتدبر، وأعلم بأن فراقي مر، تفتقدون معه بركاتي ومؤانستي لكم، لكنني على يقين بأن حكمة وجودي بينكم لأيام معدودات باقية في قلوبكم للأبد، تلك الحكمة هي فلترة القلوب من العطاء المضطرب والأحقاد الدفينة والاحتواء المؤقت، لأن رب رمضان هو رب كل الأيام والشهور والأعوام،، حافظوا على لُحمتكم ومكاسبكم مني، ولكم ابتسامة وداع على أمل اللقاء، رمضانكم كريم.

اقرأ أيضا للكاتب:

زر الذهاب إلى الأعلى