المنتحرون: لماذا يُغادرون الحياة عمدًا ؟!.. د. إيمان عبدالله تجيب

كتبت: أسماء خليل

ما بين الحياة والموت، يوجد تصنيف آخر من البشر لا هُم يعيشون الحياة ولا هم يموتون برضا الله، إنهم أشخاصٌ احتار الإخصائيون في تفسير أسباب ودوافع عزوفهم عن تلك الدنيا..فقد ينتحر الفقير أوالغنى.. الجميل أوالقبيح.. الطيب أوقاسي القلب.

من هو المُنتحر!.. ولماذا تهون عليه حياته!.. وهل ما يُعانيه اختلال عقلي أم اعتلال نفسي؟!.. وكيف تكون آخر دقائق في حياته قبل الإقدام على أصعب قرار يتخذه إنسان في عمره؟!

على إثر انتحار الصحفي“ عماد الفقي” تُفسر دكتورة “إيمان عبدالله” أستاذ علم النفس وخبيرة الإرشاد الأسرى لـ“بيان” ماذا يحدث داخل العقل الباطن لذلك المنتحر؛ علَّنا نستطيع تقريب المسافات لتفادي خسارة الكثير من الأرواح!..

القتل العمد

توضح أستاذ علم النفس، أنَّ الانتحار هي الظاهرة التي لم ترحم كبير أو صغير.. شاب أو فتاة.. فاحتمالية إنهاء بعض الأشخاص لحياتهم متواجد بأى مرحلة عمرية وتؤكد – في البداية – أنه من أهم ركائز الانتحار هو الشعور بالقلق، وقد أثبتت الدراسات أن كل 40ثانية يقوم شخص بالانتحار حول العالم وهو ما يعد كارثة بكل المقاييس، ويسمى في علم النفس ب “القتل العمد ”.

وتُشير إلى أن السلوك الانتحاري لن يفعله الشخص بشكل فجائي، بل له عدة خطوات، إذ يفكر الشخص بالانتحار أكثر من مرة، فيخطط ثم ينفذ، ومن أهم أسباب الانتحار والذي يتربع على العرش هو “الاكتئاب”، فبملاحظة كل حالات الانتحار بالعالم بأى مرحلة عمرية، تجد أن ذلك الحدث سبقه مرحلة اكتئاب، حيث مر الإنسان بحالة نفسية سيئة أودت به إلي ذلك..

مرض عضوي

وتؤكد أستاذ علم النفس على ضرورة تغيير النظرة المجتمعية السائدة، بأن الاكتئاب ليس مرض وأنه تدلل أو نقص بالإيمان؛ لليقين بأن الاكتئاب “مرض عضوي”، يؤثر على الشق العصبي وعلى النواقل العصبية في جسم الإنسان، وتزداد كل يوم حالات الانتحار وبخاصة وسط الرجال؛ حيث يعود ذلك لأن الرجل أمهر في تحديد وسيلة الانتحار، يختار وسيلة ناجحة إما الشنق أو الرصاص، أما المرأة فدائما تختار وسائل بالإمكان إنقاذها بعد تنفيذ خطتها كبعض الأدوية والغاز على سبيل المثال.

طالع المزيد:

وتشير عبد الله إلى أن دوافع الانتحار عديدة، فقد يعود ذلك إلى تناول الأدوية المخدرة، أو تاريخ مرضى وراثي، أو عوامل بيولوجي وثقافة ومجتمعية، فليس الأمر بالهين، وأيضا تعرض الشخص لأزمات نفسية بحياته، أو صدمة كبيرة جدا، أو تناول أدوية لفترات طويلة، أو اضطرابات الشديدة جدا في الحالة المزاجية، حيث تفاوت نسبة “السيروتونين” بالجسم، وما يتبعه بنقص في السعادة الحياتية..

ضغوط العمل

وتوضح خبيرة الإرشاد الأسرى، أن بعض الرجال قد يُقدمون على الانتحار حيال تعرضهم لضغوط كبيرة جدا بالعمل، أو التنمر من قِبَل المدير أو زملائه بالعمل، وتشير إلى شيء في غاية الأهمية له عظيم الأثر على النفس، وهو مصطلح“مركون على الرف”، فيقع صدى ذلك الشعور على الشخص بعميق الأثر السلبي، وكذلك عدم الترقية في وقتها المناسب، فيشعر أنه شخص غير مرغوب مُهمشًّا مهما فعل، فعدم الشعور بالقيمة يؤدي إلى الانتحار، نتاج لزيادة هرمونات التوتر والقلق، فالتعرض لفترة طويلة لواحدة من تلك الأشياء يقوم بعمل تغيرات شديدة بالمخ، فتتقلص قدرته على التفكير العقلي..

وتستكمل دكتورة إيمان، أن عدم التواصل الجيد للإنسان مع أصدقائه وعدم وجود هدف في حياته، كممارسة الرياضة أو عدم وجود حلولًا لمشكلاته، فييأس ويتجه إلى الحل السريع، رغم انه لا مشكلة بدون حل، فينهي حياته لاعتقاده أنه طرف في المشكلة، ليحلها بإبعاد نفسه عن المشهد، بإيجاد حلول غير المنطقة، لعدم امتلاكه لمهارة حل المشكلات..

مدارس ومناهج

وتؤكد أستاذ علم النفس، أن المناهج لابد أن تحتوي على استراتيجيات حل المشكلات في كل المراحل التعليمية، كتلك التي تم تطويرها بالمرحلة الابتدائية من التعليم الأساسي، حيث تتضمن تلك المناهج توسيع الإدراك والقدرة على حل العقبات بسهولة، بفضل إيجاد حلولًا بديلة مما يجعله فريسة للانتحار، فلابد للمناهج الدراسية ان تنمى المهارات داخل الطفل، كمهارة الاستكشاف والثقة بالنفس والتحكم بالذات..

اضطراب التأقلم الوظيفي

وتُبين دكتورة إيمان، أن المنتحر يسلط الضوء على نفسه فقط أثناء حل المشكلة، وحينما لا يتم حلها يتخلص هو من نفسه بدلا من المشكلة، كالزوجة التي يضربها زوجها، فبدلا من محاولة إيجاد حل تقتل نفسها لتنهي المشكلات إلى الأبد،،
وترى أن مريض الاكتئاب لديه خلل في الحكم على الأشياء، كعدوان شخص على شخص آخر، بالعقل الواعي يجد أنه لا يستطيع تفريغ الشحنة السلبية لمن قام بإيذائه فيؤذي نفسه في العقل الواعي، فيتحول إلى عدوان بالعقل بالبطن، فيظل يصدر ذلك الإحساس داخل نفسه حتى ينتحر.

وتحدد استشاري الإرشاد الأسري الفئة العمرية من ١٨ إلى ٦٠عاما، تكون هي الأكثر استعدادا للانتحار، ويعود ذلك لكون الشخص يمتلك شخصية اعتمادية، أو وسواسية، حيث يكون مريض الوسواس القهري، مضغوطًا جدا من كم الأفكار المتلاحقة والمتدفقة داخل عقله، و كذلك “ اضطراب التأقلم الوظيفي”، إذ لابد للشخص أن يحاول التكيف مع بيئته ويعرف ان كل مشكلة بالعالم لها حل؛ مهما تكن ولابد من إيجاد حلولًا بديلة، وأن نعبر عن مشاكلنا، ولا نظلم أنفسنا بقتلها كي ننهي المشكلة من جذورها.

زر الذهاب إلى الأعلى