إسلام كمال يكتب: «القرار».. هل ننفذ أحكام الإعدام ضد الاخوان بعد «الاختيار٣» ؟!
استوقتنى كثيرا، تعليقات الرئيس السيسى على المسلسل التوثيقي غير المسبوق على الصورة الذهنية المصرية، “الاختيار ٣ .. القرار”، فهو تقريبا المسلسل والفيلم الوحيد الذي يحكى تاريخا سياسيا ومجتمعيا معاصرا، أغلب الأسماء المشاركة فيه لاتزال على قيد الحياة، وهى أيضا الدراما الوحيدة التى توثق لتاريخ مصري معاصر من تسجيلات ووثائق سرية في منتهى الحساسية والخصوصية.
وهذا العمل هو التجربة الأولى من نوعها، داخليا بل إقليميا وممكن أن يكون دوليا، حتى إنه من الممكن أن تكون نموذجا يكرر في دول أخرى، وتدرس في قطاعات متخصصة داخليا وخارجيا، بالذات في الشرق الأوسط، التى تتشابه فيه التحديات تقريبا.
وانطلاقا من ذلك، فإن هذا العمل له ما له، وعليه ما عليه، ومن الممكن رصد هذا الملاحظات في نقاط، نفتح النقاش حولها:
١- بداية، المسلسل بشكل عام، يقدم مثالا جديدا يوضع به عنوانا خاصا جدا باسمه، ومن الممكن أن يفتح لنا طريقا لنوع غير مسبوق من الدراما التأريخية المعاصرة، يحول الدراما من كونها ذراعا من أذرعة القوة الناعمة، إلى سلاح خشن فتاك، تحت عنوان من الممكن أن نسميه “الدرامتيچية”!
٢- الاختيار٣ .. هو جزء ثالث من مسلسلات توثيقية لأحداث ما بعد يوينو، لكنه غارقا في المعاصرة ويتجاوز خطوط حمراء، الجميع كان يبحث عن أسئلة صعبة بخصوصها، وهذا المسلسل بأجزاءه المختلفة، من الممكن أن يذكرنا بمسلسلات وطنية واجهت أزمات كانت معاصرة وقتها، من نوعية “العائلة” الذى عالج موجات الإرهاب في التسعينات، و”آوان الورد” الذي تعرض لحالات الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، وكلها من روائع المبدع “وحيد حامد”.
وكان بالذات “العائلة” في قوة “الاختيار” بموجاته الثلاثة، ومن الممكن أن يكون هذا سببا في إهداء مسلسل الاختيار٣ لهذا الكاتب الكبير الراحل، بخلاف تاريخه الحافل ضد المتأسلمين وبالذات جماعة الإخوان الإرهابية!
٣-الاختيار٣، قدم على ما فيه من ملاحظات فنية واحترافية، نموذجا متطورا من تلفزيون الواقع، وكان مثيرا للجدل، وهذا في حد ذاته أمرا صحيا، مهما كانت مآخذ المعسكرات المصرية المختلفة عليه.
٤-المسلسل، كان بمثابة حربة جديدة دكت في قلب الجماعة الإرهابية، في سياق المعركة الفكرية، وهذه أتصورها أكثر الحراب تأثيرا في مواجهة المجتمع والدولة المصرية ضد الإخوان، والتى تعتمد دائما على آفتنا التاريخية، وهى النسيان، خاصة في ظل التحديات المتصاعدة داخليا وإقليميا ودوليا في ظل ملفات أخرى.
وكان هذا واضحا جدا من خلال حالة الغضب التى أثيرت من المسلسل بين كل عناصر الإخوان في الخارج، حتى إنهم حاولوا إثارة الفتنة بين مختلف قطاعات المعسكر اليونيوى، في محاولة للتغطية على الضربات الفكرية التى تعرضت لها جماعتهم الإرهابية.
٥-لا يمكن تجاهل حالات الجدل، التى أثارتها نقاط ما من ناحية التوجه وتغييب أسماء وجهات ومؤسسات ما، وفي المقابل التركيز على أسماء ومؤسسات ما أخرى، ولا أقصد بالمرة أمور من نوعية تجاهل محمود بدر، الذي عبر عن غضبه في إطار ذلك، والتركيز في المقابل على محمد عبد العزيز في قيادة حركة تمرد، فالأمر لا يتوقف عند هذه النقاط السطحية، بل هو أعمق من ذلك بكثير، بالتأكيد
٦-من المهم جدا في سياق الحديث عن الاختيار٣، تناول المسلسل لشخصية الرئيس المعزول الخائن، محمد مرسي العياط، فالأمر كان في حاجة لتركيز أكثر وفق أغلب التأويلات..فالتسريبات كانت تعبر عن شخصية تحريضية قيادية وعنيفة تهدد بالدم والفوضى قيادات الدول المصرية، بينما المسلسل ركز دون أن يدرى، أو يدرى، على بعد الشخصية الضعيفة لمرسي، حيث كان الرئيس الفعلى لمصر في هذه السنة السوداء، مكتب الإرشاد بقيادة خيرت الشاطر لا المرشد، فيما كان غريبا أنه على النقيض كانت تكشف التسريبات عن وجه هادئ للشاطر، فى المقابل كشف المسلسل عن وجهه الشيطانى الحقيقي من خلال دور العمر، الذي أبدع فيه خالد الصاوى.
٧-وكان من الملاحظ أن الرئيس السيسى قدم تعليقات مهمة ورسائل خاصة للداخل والخارج، عن دوره في هذه الفترة الدقيقة جدا من تاريخ مصر، بعدما أثير من جدا داخليا وخارجيا في هذا السياق، بعد أيام من عرض المسلسل .. وكانت ردود الرئيس واضحة في هذا الإطار، لكن كان ملاحظا للكثيرين قولة السيسى عن مرسي، عندما علق الرئيس الراحل محمد مرسي رحمه الله، والبعض قارن هذا بالأحكام القضائية الصادرة ضد مرسي، خاصة إن المسلسل قدم عنه تسريبات في غاية التحريض والعنف والدموية..لكن من الممكن أن يدور الأمر في إطار رسائل للخارج، حتى لا يستغل الأمر ضد مصر بشكل أو أخر.
٨- البعض اعتبر، أن وقف قناة “مكملين”الإخوانية الإرهابية من تركيا، وإغلاق كل استديوهاتها هناك، تزامنا ملحوظا، مع نهاية أحداث المسلسل، ومع زيارة أردوغان للسعودية، والتقارب المصري التركى بشكل ما، رغم الخلافات المتبقية، والتى منها، ما هو مرتبط بالجبهة الإثيوبية والتناحر الغازى المتوسطى، وبالطبع الساحة الليبية ليست بعيدة عن ذلك.. وهى إجمالا رسالة مهمة.
ونترقب جميعا المكان الجديد لقنوات الإخوان وكملجأ جديد لهم، فهل هو لندن، أم ماليزيا أم سنغافورة، بعد إغلاق تركيا وقطر في وجههم بشكل ما، لكن حتى الآن لم يظهر دورا كبيرا للقطريين في هذا الإطار، من تسليم الهاربين وخلافه، رغم التقارب الكبير بين القاهرة والدوحة في الفترة الأخيرة.
٩- ليس بعيدا عن كل ذلك، شيطنة الإيرانيين، من جديد، في وقت يحدث تقارب كبير بين السعودية والإمارات واليمن وإيران على كل العداء التاريخي بينهم، فلماذا العودة للعداء بين إيران ومصر من جديد، خاصة أن هذا يخدم الإخوان وغيرهم من أعداء مصر، ويغضب حلفاء لنا منها روسيا، ونحن في حاجة لهم الآن.
١٠- واتساقا مع حديث “الدراماتيجية” فإنه كان من المهم أن نشير لمسلسل “العائدون”، لأن يركز على الدور الإسرائيلي الداعم لتنظيمات إرهابية بعينها داخل سوريا وحتى التنظيمات الإرهابية الأجنبية التى قدمت لمصر من الخارج، وكان بها مصريون مدربون بالخارج وأجانب وعرب، وهذا خط مهم كان من الضرورى الحديث عنه بكل مكاشفة، من خلال شخصية “إيزاك” وجهازه الذي مول ودرب تنظيمات إرهابية جاءت لأرض الكنانة للقيام بعمليات إرهابية كبيرة.
١١- وبالعودة لمسلسل “الاختيار ٣” فتغييب دور الصحافة المصرية الوطنية المهنية في مواجهة الإخوان بشكل ما في المسلسل، خلال حكمهم الأسود، كان أمرا ملحوظا توقف أمامه الكثير، من المتخصصين وغير المتخصصين، وبعيدا عن الحديث في الأمور الخاصة، لأن الأهم هو العام، فلقد عانت مؤسسة روزاليوسف الصحفية من وقفها عن الطباعة وتعطيل مستحقاتها المالية،لمدة شهر كامل على يد الإخوان، كنوع من أنواع العقاب لحملاتنا ضد الجماعة الإرهابية في المجلة الأشهر، وهم في سدة الحكم، وتبعنا بعد ذلك الكثير من المؤسسات الصحفية الوطنية، وكان غريبا لذلك تجاهل هذا الدور..واختصار دور الصحافة في استشهاد “الحسينى أبو ضيف”رحمه الله.
١٢- الأمر بالطبع سيكون معقدا أكثر وأكثر، لو ربطنا بين المسلسل، ومبادرة الرئيس للحوار الوطنى، والعفو الرئاسي الذي ضم أسماء عديدة من معسكرات مختلفة، في رسائل مهمة للداخل والخارج، يجب أن يبنى كل أطراف المعسكر اليوينوى عليها، لتوحيد الصف المصري الوطنى ولم الشمل، في مواجهة الإرهابيين، ورفض أية محاولة لاستيعاب عناصر هذه الجماعة الإرهابية، مهما تبرأوا منها، لأن مفهوم التقية عندهم معروف، ومبرر لتمرير فترات التحدى، حتى يعودون للنور من جديد، ويخرجون من جحورهم بدمويتهم وفاشيتهم الفوضوية المعتادة، والتى لن يغيرونها، ومن يحسب أن أحد منهم سيعود لمصريته ووطنيته، فهو بذلك لا يعرف شيئا عن الإخوان، الذي أسميهم، صهاينة الإسلام، وسنواجه أى محاولات لإعادتهم مهما كانت الضغوط والاغراءات.
.. وبالتأكيد، النقاش مستمر، فهذا بعض من الملاحظات والتأويلات