بعد فتح الملف المسكوت عنه | “الاغتصاب الزوجي” بين رأي الدين والقانون

كتبت- أسماء خليل

إنَّ النصوص الدينية – بما تحتويه من القرآن والسنة – متواترة النقل إلى أن تقوم الساعة، ورغم ذلك فإن هناك مجالًا متسعًا للاجتهاد في التفسير؛ إذ أن بعض الآيات القرءانية والأحاديث النبوية تحتمل معانيها أكثر من تأويل، وهذا من رحمة الله بعباده.

ولكن.. نجد في بعض الأحيان أشخاصًا يتكئون على تفسير خاطئ ويعرضونه على الرأي العام؛ لتمرير حدث ما أو قضية تتناسب مع أهواءهم الشخصية..ومن تلك القضايا التي تم إثارتها في الآونة الأخيرة وأصبحت محل استهجان كثير من فئات المجتمع، قضية “الاغتصاب الزوجي”، وهي قضية نسوية في المقام الأول؛ لكونها تمنح استحقاقًا جديدًا للمرأة ربما في غير محله.

فليس هناك استخفافًا بالعقول أكثر من إطلاق ذلك المصطلح، فهناك شيئًا لم يلاحظه أحد؛ وهو أن كلمة اغتصاب لغويًّا عكس كلمة زواج؛ فكلمة “ اغتصاب” تحتوي على معاني السلب، بينما كلمة “زواج” تحتوي على معاني الاستحقاق.. فكيف للزوج الذي أخذ موثقًا من الله بعقد زواج لاستحلال التمتع بزوجته أن يتم إطلاق مسمى “اغتصاب” على تلك العلاقة السامية، تحت أي تفسير؟!

وترجع إثارة تلك القضية إلى الضجة الكبيرة التي أثيرت على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بعدما كشفت“ ندى عادل”، طليقة المطرب الشاب“ تميم يونس” ، عن تعرضها للاغتصاب الزوجي، خلال مقطع فيديو نشرته عبر حسابها على “إنستجرام”.. وتبارى الجميع معبرين عن آرائهم الشخصية حول تلك الواقعة، فمنهم من أدان ندى على كشفها لبعض أسرار حياتها الزوجية الخاصة، ومنهم من شجعها وأشاد بما فعلت. 

وقد فجر الخبير القانوني ومحامي النقض “ محمد ميزار” مفاجأة قانونية من العيار الثقيل، وقال إن المُشَرِّع حال إقرار قانون لتجريم وقائع “ الاغتصاب الزوجي”؛ سيضع الزوج أمام عدة خيارات أولها هو أن يحصل في كل مرة يقيم فيها العلاقة الزوجية مع زوجته على “موافقة كتابية” منها كضمانة له ضد اتهامه بهذه الجريمة في أي وقت لاحق؛ وأفرد لذلك عقوبات تصل للإعدام مثل جريمة مواقعة أنثى بدون رضاها واغتصاب قاصر أو طفل، وهنا تتحقق الجريمة عند ثبوت عدم الرضاء وحال وقوعها.

وبالنظر إلى ذلك الأمر، تطرح تلك الآية الكريمة نفسها..“نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ. ” سورة البقرة، يؤكد تفسير الآية أن للرجل حق التمتع بزوجته أنَّى وكيف شاء، ولكن مع عدم إكراهها في حال إصابتها بألم نفسي أو بدني، أو ربما تضررًا من سوء معاملته لها، فعليه أن يُقدم لنفسه أولًا باسترضائها وليس بالتعنيف المنهي عنه، فقد وصف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – النساء بالقوارير، بما يتضمن ذلك المعنى من رقة وإلزام من يعامل المرأة أن تكون تصرفاته لطيفة معها.

ويأتي دور القانون ليؤكد أن“ الاغتصاب الزوجي” بناءًا على ما تقدم لا يوجد في الشريعة الإسلامية أو التشريعات القانونية، ولا يوجد أي حكم أو سند له، حتى لو كان الأمر بدون رضاء الزوجة وعدم موافقتها، باعتبار هذا الأمر من الأمور المستترة والقائمة على الخفاء ولا يمكن إثباته بسهولة، فكيف يمكن إيجاد شهود لذلك الأمر؟!.. في حال تجريم ما يسمى ب “الاغتصاب الزوجي “ باعتبار أن الزوج هو الفاعل؛ سيفتح الطريق أمام المكايد الشخصية والانتقامية السالفة الوجود بين الزوجين.

لا يكلف الله نفسًا إلَّا وسعها، والعلاقة الزوجية أطلق الله تعالى عليها “مودة”.. فكيف لا تحدث بالتراضي بين الطرفين؟! ؛ فلابد لكل طرف مراعاة ظروف الآخر النفسية والجسدية، وكذلك لا يجوز للزواجات أن يمتنعن عن أزواجهن دون سبب منطقي.. لا يقبل القانون أو الشرع أن يحصل الزوج على موافقة كتابية من الزوجة كلما أراد أن يقيم معها علاقة زوجية، وهذا ما يتنافى مع معاني الزواج.

وقد يتناسى البعض مرورًا بطرح تلك القضية لَعن الله تعالى للمرأة المتمنعة عن زوجها ووصمها بالآثمة؛ إذ يعد ذلك من الكبائر، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: “ والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها”، وتفسير ذلك أن المرأة إذا لم يكن لديها عذر شرعي كالصيام الواجب والمرض أو نحو ذلك، أو كانت معذورة شرعًا؛ فلا حرج عليها إن لم تجبه إلى ذلك.

وعلى الجانب الآخر يحرم عليها إجابة زوجها إلى الجماع أحيانًا، كأن دعاها إليه وهي حائض، أو صائمة في صيام واجب أو محرمة بنسك..وقد نبَّه علماء الدين أن الدعوة إلى الفراش أعم من الجماع، فيجب عليها أن تجيبه للاستمتاع بها بما فوق الإزار إن كانت حائضًا، وبما تطيقه إن كانت مريضة.

ويرى أ. د /  “مختار مرزوق عبدالرحيم” ، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع أسيوط، أنه إذا تمنَّعت الزوجة عن زوجها؛ يكون أمرًا منكرًا، وهذا ما تفعله بعض النساء بل يبلغ الأمر غاية في الإثم حين تجاهر بالأمر، ومن المعلوم أن حق الجماع حق مشترك بين الرجل والمرأة فلا يجوز للرجل أن يترك زوجته هكذا ولا يقوم بذلك الحق؛ فقد ثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال لمن هجر زوجته للعبادة “ إن لزوجك عليك حقا”  صحيح البخاري.

ويوضح أستاذ التفسير وعلوم القرآن أن أمر امتناع الزوجة عن مطاوعة زوجها أمر قد حذر منه النبي- صلى الله عليه وسلم -، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- “ إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان عليها ولعنتها الملائكة حتى تصبح”. رواه البخاري.

زر الذهاب إلى الأعلى