إثيوبيا.. أيام على رحيل فتى نوبل

كتب- عمرو حسين

نجحت قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى فى عمل نقلة نوعية لموقفها فى حربها ضد الجيش الفيدرالى الإثيوبى بقيادة آبى أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا، وحليفه اباريترى أسياس أفورقى.

وحولت تيجراي الهزيمة إلى انتصار.. ساعدها فى ذلك عدة عوامل داخلية واقليمية و دولية، نرصدها في التالي:

أولا – الداخلية:


1- يعد إقليم تيجراى المكون الرئيس للجيش الاتحادى الإثيوبى، لأن سكان الإقليم ليسوا مزارعين ولا موظفين، انما هم أبناء مملكة اكسوم، ويعد ابرهة الحبشى أحد ابنائهم، فهم سكان الحبشة الاصليين إلى جانب إقليم الامهرة. وفى عهد زيناوى (١٩٩١ إلى ٢٠١٢) تكونت من ابنائهم القيادة الشمالية للجيش، ودائما ما كان رئيس الأركان من جماعة تيجراى.

٢- مارس رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد (٢٠١٨) ضدهم سياسات اقصائية، وكون تحالف بين الامهرة والاورومو، ونفذ سياسات تمكين، وحول نظام الدولة إلى المركزية، لاغيا سلطة الأقاليم، وجعل الحكم فى العاصمة أديس أبابا، ووضع العاصمة تحت أمره، رفض التيجراى هذه السياسة و التزموا بدستور البلاد واقاموا الانتخابات فى موعدها فقامت الحرب الأهلية.

٣- فى ٤ نوفمبر ٢٠٢٠، شن اَحمد عملية عسكرية على الإقليم، فسقطت العاصمة ميكلى تحت قصف الطائرات الإثيوبية والمدفعية الاريترية، وأعلن الجيش الإثيوبى انتصاره بعد ٤ أسابيع، وبدأت الحرب البرية فى جبال وغابات تيجراى، وشيعت حالات الاغتصاب والقتل فى حق المدنيين، وقطع الاتصالات ومنع المنظمات الأممية.

٤- رغم إن الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى، حكمت البلاد سابقا بالحديد والنار، إلا إن ما حدث لها من أهوال، اكسبها تعاطف الجماعات الإثنية الأخرى، هذا من جانب. وبرزت عداءات الجماعات الإثنية الأخرى تجاه تحالف (الامهرة والاورموا) خشية إن يحدث لها ما حدث للتيجراى. ووحد المجتمع الدولى نفسه فى ورطة إذا ما نجح الحل العسكرى فى تيجراى، فإنه سيكون الاختيار الأول دائما إمام آبى أحمد، ما يمهد لديكتانور دموى جديد فى القرن الإفريقى.

ثانيا – عوامل اقليمية:


دخلت إريتريا التحالف مع ابى اَحمد لتحقيق هدفين:


١- القضاء على العدو التاريخى لها، فالحروب بين اريتريا و تيجراى سابقة على قيام دولة اريتريا عام ١٩٩٣، واستقلت الدولة، بعد أن قطعت امريكا وعدا صريحا بأن تكون هى آخر الجماعات المنفصلة عن الدولة الإثيوبية.

٢ – كانت منطقة “بادمى” محل نزاع حدودى، وقامت من أجلها الحرب فى ١٩٩٨، ونشأت لجنة من الأمم المتحدة لفص النزاع، إلا إن صراع ٢٠٢٠ وفر فرصة تاريخية أمام جيش إريتريا لاجتياح كامل إقليم تيجراى.

السودان أيضا نفس القضية مع إثيوبيا حول منطقة “الفشقة” وأيضا لها لجنة حدودية من الأمم المتحدة، ولكن عصابات (الشفتا) الإثيوبية تقتل المزارعين والجنود السودانين لكسب مساحات أكبر، وهنا اتخذت السودان نفس اتجاه اريتريا.

١- فى فترة انشغال الجيش الإثيوبى بالحرب على تيجراي، نفذت عصابات الشتا عملية وقتلت فيها ضباط من الجيش السودانى ، فاجتاح الجيش المنطقة واستحوذ على أكثر من ٩٠ ٪ من أراضيه.

٢- استعاد الجيش الإثيوبى توازنه وحشد قواته على حدود السودان، وعلت نبرة الطالبة بعودة الارض، فيكون الاختيار الأول لدى السودان هو تخفيف الضغط على حدوده بطريقتين، الأولى زيادة قواته وحشد حليف إستراتيجي فى معسكره، والثانية زيادة الضغط على الجيش الإثيوبى فى جبهة تيجراى، خاصة وإن تيجراى له حدود مع السودان بالقرب من ولاية القضارف، إلى جانب ان المسافة بين الحدود الشمالية للتيجراى والخرطوم، تساوى تقريبا المسافة بين الحدود الجنوبية للاقليم و أديس أبابا.

ثالثا- عوامل دولية:


تعد منطقة القرن الإفريقى، ذات حيثية استراتيجية عالية جدا، وأهمية اقتصادية، فهى منطقة عالية التنافسية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة، والصين وروسيا من جهة اخرى، كان اتجاه الولايات المتحدة فى بداية الأمر نحو ارثاء الاستقرار فى الإقليم لتوفير بيئة مناسبة لمنافسة الصين والقضاء عليها، لذلك اعطت الضوء الأخضر لاختيار (اَحمد) من بين ٥ مرشحين، على اعتبار أنه أحد رجالها والراعى الرسمى للخصخصة، إلا إن ارتباطاته الإثنية قضت على المشروع الامريكى.

تحركت الولايات المتحدة للاستفادة من حالة الحرب الأهلية، فاتخذت عدة إجراءات:

١- تحييد الجانب الاريترى، وخروجه من التحالف مع الجيش الفيدرالى الإثيوبى، والعودة إلى حدوده قبل بدء الحرب.

٢- الحصول على ضمانات معلنة من جانب تيجراى، بعدم الطالبة بالانفصال والاستقلال، للحفاظ على الوعد الامريكى. وهو ما أعلنته الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى فى شروط تفاوضها مع الجيش الإثيوبى بأن يكون دستور البلاد هو أساس التفاوض.

٣- استيعاب قادة التيجراى فى جيبوتى، وتقديم الدعم المالى والتسليح والدعم اللوجستى والخطط والصور بالأقمار الاصطناعية، وعبر القيادة الأمريكية فى جيبوتى. 

٣- تحريك العمليات العسكرية باتجاه خط سكة حديد (أديس جيبوتى) وهو مشروع صينى بتكلفة ٣ مليار دولار يضمن تدفقات البضائع الصينية إلى ١١٠ ملايين إثيوبى، و٩٥٪ من إجمالى الصادرات والواردات.

 الصين لن تصمد أمام العمليات العسكرية، فأمريكا هى سيدة اللعبة فى التاريخ الحديث، كمان أن روسيا تعاملت بمنطق “تاجر الشنطة”، فقد استفادت من مسألة سد النهضة وباعت مجموعة صواريخ، ولم يختلف بوتين فى هذا الموقف عن جنرالات الاتحاد السوفييتى الذين باعوا الصواريخ لحسابهم.

زر الذهاب إلى الأعلى