أمل محمد أمين تكتب: 225 ألف طلقة

حدث أمامي منذ بضعة أيام مشهد قصير جدا لكن لم يفارق عقلى حتى كتابة هذه السطور، حيث شاهدت شابة صغيرة تقود سيارة رياضية تتوقف أمام شاب في مقتبل العمر لا يتجاوز الخامسة والعشرين، وخرجت من السيارة طفلة صغيرة عمرها حوالي ثلاث سنوات ابتسمت عندما شاهدت الشاب الذي أدخل الطفلة سيارته ثم لوح بيده لقائدة السيارة لكنها لم ترد التحية ولم تلتفت تجاهه من الأساس، مما جعله يغادر بسرعة وهو يهز كتفيه في حركة توحي بالقرف وعدم المبالاة.

وإذا رحل هو اصطفت المراة سيارتها بجواري لتضع رأسها على المقود وتدخل في نوبة بكاء حاد.

مشهد لم يتجاوز الدقيقتين لكن تخميني أن المرأة هي أم الطفلة وقد سلمتها لأبوها إما لتقضي معه عطلة نهاية الأسبوع أو لسبب آخر لا يعلمه إلا الله وعلى الأرجح هما منفصلان أو مطلقان.

طالع المزيد|   أمل محمد أمين تكتب: بنك الأعضاء

قصة محزنة ومؤسفة والأكثر ألمًا أنها تتكرر يوميًا وبأشكال مختلفة في المجتمع،  في مصر وحدها تحدث حالة طلاق كل دقيقتين وبلغت حالات الطلاق في عام 2021 “225” ألف حالة طلاق وهو أعلى معدل تشهده البلاد منذ 50 عامًا.

إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء توضح حقائق مهمة منها أن النسبة الأعظم من الطلاق كانت في الزيجات القصيرة التي لم تستمر أكثر من سنة وبلغت هذه النوعية حوالي 30 ألف حالة طلاق لكن الزيجات التي أستمرت أكثر من عشرين سنة فحدث بها حوالي 15 ألف حالة طلاق.

أسئلة كثيرة تدور في ذهن كل من يرى محاكم الأسرة مكدسة بقضايا النزاعات الأسرية، خلافات  كثيرة على رؤية الأطفال وحضانتهم والنفقة  عليهم، ومحل سكن الأم، مشاكل بائسة تصل إلى أن أحد الزوجين يستخدم الأطفال لإبتزاز الطرف الآخر، ويسقط الأطفال في فجوة كبيرة سوداء مبعثرين بين الأم والأب وبعضهم يصبح فريسة المخدرات والضياع وشبكات الدعارة والتسول ولكن لأسباب نفسية واجتماعية تزداد معدلات الطلاق فما هي تلك الأسباب التي تصل بالزوجين إلى استحالة الحياة معًا؟ وهل كان من الممكن تفادي هذا التمزق؟.

يتحدث الخبراء عن أسباب كثيرة تؤدي إلى استحالة العشرة وتأتي في مقدمتها الخيانة الزوجية، وعدم التفاهم وغياب الحوار، والظروف المالية، وإقبال الرجال على الارتباط بزوجة أخرى، وتقصير بعض الزوجات، وعدم الاهتمام بواجباتها زوجة وأماً، والعنف بين الأزواج، وتدخل أقارب الزوجين، وعدم الإنجاب، واختلاف الثقافة والعادات والطباع، وانشغال المرأة بمحاولة إثبات الذات على حساب دورها الاجتماعي، ورفع سقف التوقعات، وعدم تمكين العروسين من التفاهم أثناء الخطوبة والاستعجال في إبرام عقد الزواج، وطلب الزوجة مبالغ مالية، ومتطلبات تفوق القدرة المادية للزوج تقليداً للمشاهير والصديقات، وعدم احترام أحدهما للآخر وعدم الاهتمام واللامبالاة، وغياب التواصل بين الزوجين والتقليد الأعمى من الآخرين، وأسباب أخرى تافهة وغير مجدية كما وصفها المتخصصون.

ولكن هل توجد وصفة سحرية لعدم الوصول إلى اللحظة التي ينتهي فيها كل شئ ويتحول الحب إلى كراهية والارتباط إلى انفصال؟!

ربما تساعد حملات التوعية الأسرية للمقبلين على الزواج، وفي حال طلب أحد الزوجين الطلاق؛ يجب أن يخضع لحلقات ومحاضرات تنويرية قبل تسجيل دعوى في التوجيه الأسري، واستحداث مناهج دراسية مبسطة للمرحلة الثانوية؛ هدفها غرس قدسية الترابط الأسري، والتفاهم والمصارحة والاستماع للآخر، والتوقف عن المكابرة والعناد، وتوقف العروسين عن المجاملات أثناء الخطوبة، وبعد الزواج تبادل الاحترام، ومراعاة ظروف الآخر، والصبر عليها، والمصارحة، والتنازلات المنطقية.

ختاما أن الحياة الزوجية ليست مغامرة ولا نزهة بل طريق طويل وصعب يتحمل فيه الزوجين عبء الحياة المشتركة لشخصين او أكثر حسب عدد الأطفال في الأسرة وهذا الحمل وتلك المشقة تحتاج إلى كثير من الصبر والمجهود والتعقل، صبر يصل إلى درجة الجهاد لأن الزواج رابط مقدس لا يمكن نقضه إلا مع استحالة الحياة.

زر الذهاب إلى الأعلى