أسماء خليل تكتب: ملابس الطلاق السوداء
عمَّا قريب كان الطلاق بالنسبة للمرأة والمجتمع يعني إقامة الحداد.. الموت.. انتهاء بعضٍ من الحياة بمُحتوى مؤلم لا يرغب صاحبه في تذكر المشاهد التي مرَّ بها في تلك التجربة القاسية، ولا يتوقف الإحساس بالألم على الشخص المُخطئ ولكن يسري ذلك الشعور داخل كلا الطرفين إذا كان أحدهما ظالمًا أو مظلومًا.. صبورًا أو مُتسرعًا.. اجْتَهَدَ في محاولة الإصلاح أم لم يحاول.. إنه أشبه بالجُرح الغائر الذي يتساوى فيه البشر في مدى ردود أفعالهم تجاه شعورهم بالألم.
إنَّ الطلاق هو الانفصال الروحي والجسدي لأشخاص مازالوا ينعمون بالحياة، ورغم كل الأسباب المعهودة للطلاق لكنني أرى أن السبب الأعظم الذي يأتي على رأس تلك الأسباب هو “عدم القدرة على التحمل”، مرورًا بأسباب الطلاق لدى الطبقات المرفهة والتي منها “الملل الزوجي”، و“البحث عن الملذات” فيكون السبب الرئيسي أيضا هو عدم قدرة أحد الطرفين على احتمال فترة الملل النفسي التي يشعر بها الآخر، ومحاولة مشاركته التجديد لكسر الروتين، حتى وإن كان السبب هو بحث الزوج عن ملذات الدنيا؛ فبإمكان المرأة العاقلة تخطي تلك المرحلة لأنها موقوتة بزمن.
أمَّا بالنسبة لهؤلاء الكادحين من الفقراء، فليس لديهم ملابس حداد سوداء ليرتدوها يوم طلاقهم.. إنهم لا ينفصلون مقارنةً بالأغنياء مهما كانت الدوافع قوية للطلاق، فترى الحياة المادية قد طغت على مشاعرهم بلا رجعة، ولا يعنيهم الأمر هم صابرون، إنهم يتحايلون على الحياة كي تسير مهما كانت هناك من انحرافات سلوكية أو حتى اضطرابات نفسية تصيب أحدهم.
وها هي “شيرين” المُطربة المشهورة التي تحلق شعرها بعد طلاقها، في واقعة غير معهودة لدى الشعب المصري، ليصفها الكثير بقوة الشخصية ويُرجع المجتمع ذلك إلى سوء الحالة النفسية، ولكن إذا تأملنا ذلك الأمر سنجد أن هذا التصرف غير مسؤول بالمرة، فكيف لفنانة تعتبرها الكثيرات من الشَّابات قدوة لهن أن تفعل ذلك الأمر!!.. هل هي تبتدع ظاهرة جديدة؟!.. وأين القوة في ذلك الفعل الشنيع؟!.. إنَّ القوة الحقيقية كانت بحق إذا واجهت ذلك الانفصال بكل عزة وكرامة، وليس باستعطاف العالم ضد رجل لم يدلو بدلوهِ بعد! .
إنَّ الشخصية القدوة لابد عليها أن تكون معوَلًا من معاول بناء المجتمعات، جنبًا إلى جنب مع المؤسسات الحكومية والجهات المعنية.. ولابد على تلك الشخصيات النسوية ترسيخ قيم الارتقاء بكرامة المرأة في مواجهة الزوج الذي لا يحبها أو يريد الانفصال عنها، ولابد عليهن – أيضًا – أن يُعلمن الفتيات والزوجات حديثات العهد بالزواج كيفية مواجهة مصائب الحياة بكل صبر وحنكة والالتفات لممارسة أعمالهن وتربية أبنائهن، بدلًا من التصرفات التي تقود إلى بلبلة وزعزعة الحياة الأُسرية.
من تُحب زوجها ستحاول إرضائه تمسُكًا به، وإذا انفصل عنها لن تؤلِّب العالم عليه ليراه الجميع شيطانًا مريدًا، بالإضافة إلى الوقوع في محاذير شرعية، كالتشبه بالرجال في حلق شعرهم، وكذلك سن سُنَّة سيئة، فمن سنَّ- في الدين- سنةً سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها.
هناك مُطلقات كثيرات في المدن والقرى والنجوع لم تحلقن رؤوسهن بعد الطلاق، ولكن قمن بتنظيم ما داخل تلك الرؤوس من أفكار وآمال وطموح لمواجه العالم وتربية أولادهن والبحث عن عمل لتسير الحياة بكل صعابها وتحدياتها، وحاولن لثم أدمعهن وحوَّلن المِحن إلى منح إلهية.
إذا زَجَّتْ الاعتلالات المزاجية كل شخصية مشهورة لفعل تصرفٍ غريبٍ يؤثر بالسلب على المجتمع، فكيف سيكون حال ذلك المجتمع؟! .. لابد أن يعي جميع أفراد العالم أنَّه في حال مروره بواحدة من الصدمات النفسية أو التقلبات المزاجية، فهذا أمر خاص به وحده وعليه أن يعالج ذلك الأمر داخل حدود منزله.. يصرخ.. يبكي.. يكن أقوى ويحاول الخروج طالبًا المواساة من أحد أقاربه أو أصدقائه، ولكن عليهِ حين خروجه للمجتمع.. أن يخرج “ قدوة”.