أسماء خليل تكتب: حياتكَ في يدٍ غير أمينة

وقفة مع النفس.. ربما تقفها مع نفسك بضع مرات في عمرك.. وحتمًا سَتُوجِه ذلك السؤال لذاتك: فيمَ أبليتُ كثيرًا من أوقاتي؟!.. هل قمتُ باستغلالها الاستغلال الأمثل؟.. أم أهدرتها في كثير من التفاهات،،

ربما كانت الإجابة عن تلك الأسئلة تقع على عاتقكَ وحدك.. ولكن في زمننا هذا سيُسأل معك كثيرون، سيكون النصيب الأعظم فيه لـ“صناع المحتوى” على شبكات الإنترنت، طبقا للمرجعية الحياتية مؤخرًا، وهي ملاصقةُ كل فرد لهاتفه المحمول في كل مكان وكأنه ابنه المُدلل وإن جاز التعبير، بل بات يُمثل مالا يقل عن 75٪ من الأوكسجين الذي يتنفسه البشر،،

فكم يقوم كثير من “صانعي المحتوى”، بعمل “فيديوهات”، ويطرحونها على المتلقي دونما وعي، ربما منها ما يؤثر على حالته النفسية وربما الاجتماعية…وربما على حياته بشكل عام، فكل ما يحدث لنا هو جزء من حلقات متصلة متشابكة لا ينفصل مرد تأثيرها على الجزء الآخر..

إنهم يتشاركون معنا أوقاتنا التي نملكها، والأكثر من ذلك أن نحن من نقوم بجعلهم يتربحون نتاج ضياع أوقاتنا، وما يدعو للعجب الحقيقي، من يقولون إنهم يقدمون محتوى فكاهي ترفيهي لا علاقة له بما يحدث للإنسان من تغيرات!.. وهم على عدم بينة أن ما يقدمونه على أقل تقدير، “قد أضاع وقت الناس”..

إنهم يمزحون ويتبارون في من يقدم إسفافًا أكثر من الآخر؛ ليحصل على قلادة “اليوتيوب”، ويحضرني في ذلك المقام حكاية مجموعة من الغلمان، أتوا أمام بيت سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه– وقاموا بلعب بعض الألعاب البهلوانية بضع من الوقت، لم ينكر خليفة المسلمين على أولاده مشاهدتهم، ولكنه أمر بجلد هؤلاء الغلمان بعد الانتهاء مما يفعلون، وحينما سأله الحاضرون عن سبب ذلك القرار الذي يبدو تعسفيا لهم، أجابهم قائلًا: “كفاهم ذنبا أنهم أضاعوا وقت المسلمين”!..

نعم ..إنهم يضيعون وقت الناس..الذي هو أغلى ما يملكون ..إنه الزمن ..الحياة التي باتت في يدٍ غير أمينة.. الوقت المتبقي لنا للراحة بعد عمرٍ من المُفترض أن نُقِيمَهُ في بناء حضارة، وإذا نظرنا لما يقدمونه من “كلمة” تتضمنها تلك الفيديوهات، ربما إسفاف..ربما كلمات بذيئة من أجل جمع مشاهدات ..الأهم“أي كلام فاضي معقول”..

وهم بحق غافلون عن المغزى الحقيقي للكلمة، ويقولون هل نقتل إنه مجرد كلام!!.. وهل من عاقل لا يعي القيمة الحقيقية للكلام؛ فانتقال الثقافات بين الشعوب مرده الكلام ..التربية هي انتقال الخبرات من خلال توجيه الكلمة كمصدر أولي في التعليم..الحضارة أساسها الكلام ثم العمل..الاستراتيجيات والتوصيات التي أقامت الحضارات كلام..الحياة كلام..فالكلام هو الرسائل المطوية في سطور التاريخ الذي ظل آلاف السنين مُحملًا بمعنى كل شيء ..

بجلوسك أمام هاتفك تضيع وقتك أمام فيديوهات محتواها “أي كلام”، أنت لا تصمت سوى عن الكلام!.. ولكن يتحدث عنك شيء آخر، وهو عمرك الذي يضيع هباءًا، وبشرتك التي تتأثر بالآشعة الضارة، وأخلاقكَ التي ستُحاكي ما تسمع بكل جرأة، وحياتك التي تُلقي بها بملء يديك في تلك اليد الغير أمينة.

اقرأ ايضا للكاتبة:

 

زر الذهاب إلى الأعلى