رشا ضاحى تكتب: دعوةُ إبراهيم وبِشارةُ عيسى
سبحانك اللهم وبحمدك استجبت دعوة إبراهيم عليه السلام حينما قال ﴿رَبَّنا وَابعَث فيهِم رَسولًا مِنهُم يَتلو عَلَيهِم آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَيُزَكّيهِم إِنَّكَ أَنتَ العَزيزُ الحَكيمُ﴾ .
وسبحانك اللهم وبحمدك حققت بشارة عيسى عليه السلام حين قال ﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسولٍ يَأتي مِن بَعدِي اسمُهُ أَحمَدُ فَلَمّا جاءَهُم بِالبَيِّناتِ قالوا هذا سِحرٌ مُبينٌ﴾ .
فكان مولد الهادي البشير صلوات ربي وسلامه عليه ، كان مولد النور الذي أضاء الكون كله ،
وفي السنة النبوية سأل بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسولَ اللهِ أخْبِرْنا عن نفسِكَ ، قال : (دعوةُ أبي إبراهيمَ وبُشرَى عيسَى).
إن من سنن الله تعالى في الكون،أن الانفراج يكون بعد الشدّة، والضياء يكون بعد الظلام،
فإنه بعد ذلك الظلام الشديد الذي غطى سماء الحياة البشرية، من ظلام الشرك والكفر والظلم والفساد؛ إذ نظر الله تعالى إلى الناس فمقتهم عربهم وعجمهم؛ لما هم عليه من الكفر والشر والفساد إلا بقايا من أهل الكتاب – في هذه الظروف بالذات جاء مولده صلوات ربي وسلامه عليه،فحدث ذلك عام الفيل، وفي شهر ربيع الأول الذي أصبح يعرف بربيع الأنوار، ومن ليلة الإثنين الثاني عشر منه طلع فجر النبوة المحمدية بميلاد المصطفى صلى الله عليه وسلم ،
فبعد زواج عبد الله بن عبد المطلب من آمنة بنت وهب حملت منه بالحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، وواكبت حمله ووضعه بعض من
آياتُ نبوته التالية:
أولاً: إنه ولد صلى الله عليه وسلم من نكاح شرعي لا من سفاح جاهلي، وهي عصمة إلهية، لا يقدر عليها إلا الله.
ثانياً: أن أمه آمنة لم تجد أثناء حملها به صلى الله عليه وسلم ما تجده الحوامل عادة، من الوهن والضعف، فكان هذا آية.
ثالثاً: إن آمنة لما حملت به صلى الله عليه وسلم أتاها آت: إنك حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وضع في الأرض فقولي: أعيذه بالواحد من شر كل حاسد ، وآية ذلك أنه يخرج معه نور يملأ قصور بُصرى من أرض الشام؛ فإذاً فسميه محمداً، فإن اسمه في التوراة أحمد، يحمده أهل السماء وأهل الأرض.
رابعاً : ارتجاج إيوان كسرى بفارس وسقوط أربع عشرة شرفة من شرفاته، وخمود نار فارس التي لم تَخمُد منذ ألف سنة.
خامساً: امتلاء البيت الذي ولد به نوراً، ورؤية النجوم وهي تدنو منه حتى لتكاد تقع عليه صلى الله عليه وسلم، رأت هذا أمه والقابلة التي كانت معها وحدثتا به، وهو حق لا باطل، وصدق لا كذب.
إن ذكرى ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم
تجدد فينا دائما أمل التمسك بأخلاقه صلوات ربي وسلامه عليه، فقد جمع الله سبحانه وتعالى في نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم صفات الجمال والكمال البشري ، وتألّقت روحـه الطاهرة بعظيم الشمائـل والخِصال ، وكريم الصفات والأفعال ، حتى أبهرت سيرته وهيبتهُ العدوّ والصديق ، وقد صوّر لنا هذه المشاعر الصحابي الجليل حسان بن ثابت رضي الله عنه أبلغ تصوير حينما قال :
وأجمل منك لم ترَ قط عيني
وأكمل منك لم تلد النساء
خُلقت مبرّأً من كل عيب
كأنك قد خُلقت كما تشاء
فمن سمات الكمال التي تحلّى بها صلى الله عليه وسلم – خُلُقُ الرحمة ، فقد وهبه الله قلباً رحيماً ، يرقّ للضعيف ، ويحنّ على المسكين ، ويعطف على الخلق أجمعين ،
وقد تجلّت رحمته صلى الله عليه وسلم في عددٍ من المظاهر والمواقف ، ومن تلك المواقف :
رحمته بالأطفال :
كان صلى الله عليه وسلم يعطف على الأطفال ويرقّ لهم ، حتى كان كالوالد لهم ، يقبّلهم ويضمّهم ، ويلاعبهم ويحنّكهم بالتمر ،كما فعل بعبدالله بن الزبير عند ولادته .
رحمته بالنساء :
لما كانت طبيعة النساء الضعف ، كانت العناية بهنّ أعظم ، والرفق بهنّ أكثر ، وقد تجلّى ذلك في خلقه وسيرته على أكمل وجه ، فحثّ صلى الله عليه وسلم على رعاية البنات والإحسان إليهنّ ، وكان يقول : ( من ولي من البنات شيئاً فأحسن إليهن كن له سترا من النار ) ، بل إنه شدّد في الوصية بحق الزوجة والاهتمام بشؤونها.
رحمته بالجمادات :
وقد روت لنا كتب السير حادثة عجيبة تدل على رحمته وشفقته بالجمادات ، وهي : حادثة حنين الجذع ، فإنه لمّا شقّ على النبي صلى الله عليه وسلم طول القيام ، استند إلى جذعٍ بجانب المنبر ، فكان إذا خطب الناس اتّكأ عليه ، ثم ما لبث أن صُنع له منبر ، فتحول إليه وترك ذلك الجذع ، فحنّ الجذع إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمع الصحابة منه صوتاً كصوت البعير ، فأسرع إليه النبي صلى الله عليه وسلم فاحتضنه حتى سكن ، ثم التفت إلى أصحابه فقال لهم :
( لو لم أحتضنه لحنّ إلى يوم القيامة ) .
رحمته بالأعداء :
وقد تجلّت رحمته صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وتمكين الله تعالى له ، حينما أعلنها صريحةً واضحةً : ( اليوم يوم المرحمة ) ، وأصدر عفوه العام عن قريش التي لم تدّخر وسعاً في إلحاق الأذى بالمسلمين ، فقابل الإساءة بالإحسان ، والأذيّة بحسن المعاملة .
لقد كانت حياته صلى الله عليه وسلم كلها رحمة ، فهو رحمة ، وشريعته رحمة ، وسيرته رحمة ، وسنته رحمة ، وصدق الله إذ يقول :
{وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}
اللهم ارزقنا الاهتداء بأخلاق نبينا صلى الله عليه وسلم واتباع سنته واحشرنا يوم القيامة تحت لواءه
اللهم آمين .
حتى نلتقي دمتم في رعاية الله وأمنه.