رشا ضاحى تكتب: رحلة مع أسماء الله الحسنى.. (40) الوارث

 تتواصل رحلتنا مع أسماء الله الحسنى ونتحدث اليوم عن اسم الوارث جل جلاله

اسم الله الوارث فيه إثباتٌ لعظمة الله تعالى وكماله وجلاله، ففناء الخلق كلهم وبقاؤه سبحانه دليل على كماله وعظمته وقوته، وعلى نقص الخلق وضعفهم وقلة حيلتهم.

ورد اسم الله الوارث في القرآن الكريم ثلاث مرّات، في قوله تعالى: {وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون} (الحجر:23)، وقوله تعالى: {وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين} (الأنبياء: 89)، وقوله عز وجل: { وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين} (القصص:58).

وورد في موضع واحد بصيغة الفعل، في قوله تعالى: { إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون (مريم:40)

وعن معنى الاسم الجليل يقول ابن الأثير: الوارث هو الذي يرث الخلائق، ويبقى بعد فنائهم، ومن شرح الإمام الخطابي لهذا الاسم قوله: الوارث هو الباقي بعد فناء الخلق، والمسترد أملاكهم وموارثهم بعد موتهم، ولم يزل الله باقيًا مالكًا لأصول الأشياء كلها، يورثها من يشاء ويستخلف فيها من أحب.

ومن معاني اسم الوارث أن الله يورث الجنة للمؤمنين، قال تعالى: { وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء}، وتأويلها كما ذكر الإمام ابن جرير الطبري، أن الله عز وجل قد جعل أرض الجنة التي كانت لأهل النار لو كانوا أطاعوا الله في الدنيا فدخلوها ميراثا لنا عنهم.

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : (اللهم أمتعني بسمعي وبصري واجعلهما وفي رواية واجعلها الوارث مني) ، والمقصود بأنه أراد بقاءهما وقوتهما عند الكبر وانحلال القوى النفسانية، فيكون السمع والبصر وارثي سائر القوى، والباقييْن بعدها، وهذا المعنى هو الذي ذكره شرّاح الحديث كالإمام ابن الأثير.

ومن آثار الإيمان بهذا الاسم الجليل الآتى:

أولاً: الصبر على الحق والتواصي عليه، وعدم اليأس من سطوة  الباطل وأعوانه، فإن مصيرهم إلى زوال، وليس لهم إلا ذلك النطاق الزمني اليسير ليستكبروا بغير الحق، ثم يرث الله عز وجل الأرض ومن عليها وإليه يُرجعون.

فالعاقبة للمتقين والعقبى لهم، وما على المؤمنين سوى الاستعانة بالله جلّ وعلا والتوكّل عليه، وهذا هو عين ما دعا إليه موسى عليه السلام حين خاف أتباعه من بطش فرعون وقومه: {قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين} (الأعراف:128)، وهذه هي قصّة المدافعة بين الحق والباطل في الدنيا، أما في الآخرة: { وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} (الزخرف:43)

ثانياً: استنهاض الهمم في مجالات الخير، لاسيما الإنفاق في سبيل الله، انطلاقاً من أن ما بين أيدينا من الأموال إنما هي ودائع استخلفنا الله تعالى عليها لينظر كيف سنتصرّف وفيها ونتعامل بها: وما المال والأهلون إلا ودائع، ولابد يوماً أن تردّ الودائع.

فهو ترغيبٌ في إنفاق المال في وجوه الخير، وعدم البخل به واكتنازه، ونستبين هذه الدعوة من خلال قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول العبد: مالي، مالي، إنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فاقتنى، وما سوى ذلك فهو ذاهب، وتاركه للناس) .

وقد أشار العلماء عند هذا الاسم أن المؤمن ينبغي أن يتقي الله في حقوق الإرث فلا يظلم من الورثة أحدا .

سبحان من يرث الأرض ومن عليها وإليه النشور .

وحتى نلتقي دمتم في رعاية الله وأمنه.

اقرأ أيضا للكاتب:

زر الذهاب إلى الأعلى