القس بولا فؤاد رياض يكتب: اللسان و خطورته

اللِّسان: قوة هدم وموت أو قوة بناء وحياة
نقرأ في سفر الأمثال 21:18 “اَلْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ فِي يَدِ اللِّسان، وَأَحِبَّاؤُهُ يَأْكُلُونَ ثَمَرَهُ” يعلن لنا الله هنا حقيقة ‏صادمة تتعلق بقوة الكلام واللسان. وهذه الحقيقة ببساطة تبين لنا قدرة اللسان على جلب الموت والدمار ‏وكذلك قدرته على الحياة والبناء.

اقرأ أيضا:

أولاً: لسان الموت والدمار: قال السيد المسيح في متى 36:12 “إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاس ‏سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَابًا يَوْمَ الدِّينِ”. وقوله هنا يعني ببساطة أن كل إنسان مسئول عن كل كلمة ‏تخرج من شفتيه، وأن الكلام الباطل سيجلب على صاحبه دينونة الله العادلة. فكل واحد منا سيقدم حساباً لله ‏على ما نقوله من كلام. فانتبه واحرص أن لا تنطق بكلام الموت والدمار، وهذا النوع من الكلام يشمل: ‏

1. الكلام التافه والسَّفيه والرخيص: يطلق النَّاس كلاماً جارحاً أو كلمات لاذعة أو ملاحظات لا ضرورة ‏لها تؤدي إلى نتائج وخيمة في حياتهم وحياة غيرهم. فكل يوم نتحدث مئات وربما آلاف الكلمات، وبعض ‏الكلام يكون لطيفاً ومدروساً، والبعض يكون قاسياً وجارحاً دون التفكير بتأثيرها على الآخرين.‏

كم من شاب أصيب بالإحباط بسبب كلمات سلبية: أنت فاشل. أنت لا تصلح لشيء، أنت متهور، وغيرها ‏من كلمات القسوة. وكم من صبية تعقدت حياتها من سماع كلمات لاذعة مثل أنت لست جميلة، أنت غبية، ‏أنت سمينة، وغيرها من الكلمات. ‏

قال أيوب لأصدقائه في أيوب 2:19 “حَتَّى مَتَى تُعَذِّبُونَ نَفْسِي وَتَسْحَقُونَنِي بِالْكَلاَمِ”. جاء أصدقاء أيوب ‏لتعزيته عند دمار ممتلكاته وموت أولاده، ولكنهم بدل التعزية، وجدو في آلامه فرصة للشماتة والتطاول ‏عليه ولومه. وكأن مصيبته لم تكن كافية. ‏

في رسالة أفسس 29:4، يحذرنا الله بلسان رسوله بولس قائلاً: “لاَ تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ، بَلْ كُلُّ ‏مَا كَانَ صَالِحًا لِلْبُنْيَانِ، حَسَبَ الْحَاجَةِ، كَيْ يُعْطِيَ نِعْمَةً لِلسَّامِعِينَ”. فالله يدعونا هنا أن نلاحظ إن كان ‏كلامنا للبناء أم أنه للهدم. وبالتالي للحذر من أن لا تخرج كلمات ردية من أفواهنا.

ما أكثر الأشخاص الذين دمرت حياتهم لأن سيرتهم تشوّهت بسبب الاشاعات الباطلة أو الكلام الكاذب ‏عنهم. كأن يقول النّاس: فلان حرامي. فلان محب للمال. فلان كذّاب. فلانه ساقطة. فلان نصّاب. وهم بهذه ‏العبارات يشوهون سمعة غيرهم من البشر غير مدركين بأنهم يطعنوهم بألسنتهم في مقتل.‏

ما أكثر الآلام التي نتجت عن اتهامات باطلة.‏

ما أكثر الأشخاص المرضى نفسياً والمصابين بالاكتئاب والشعور بالحقارة والذل والعار بسبب كلمات ‏نابية قيلت ضدهم.‏
2. كلام النميمة ونشر الإشاعات واستغيّاب الآخرين: النميمة هي إشاعة أو حديث أو تقرير يتعلق بأمور ‏خاصة وحميمة جداً، وتكون عادة بين شخصين أو أكثر بغياب الشخص الذي يدور الحديث عنه. وبالتالي، ‏فالنمام أو ناشر الإشاعات هو شخص معتاد على كشف أمور شخصية أو مثيرة عن الآخرين وبغيابهم، ‏فالنمام هو شخص يتحدث معك عن الآخرين، ثم يتحدث مع الآخرين عنك.‏

النميمة في طبيعتها هي أن نقول شيئاً أو أشياء، حتى ولو كانت صحيحة، بقصد الإساءة للآخرين. أي إن ‏الإنسان النمام هو شخص يفتقر للحياة الصحيّة والمفرحة والمشبعة، ويجد لذته وشبعه في تحطيم الآخرين. ‏فالنميمة قاتلة. وكم من صداقة انتهت، وأشخاص ارتكبوا جرائم و خطايا بسبب النميمة والكلام غير الضروري

والسؤال الذي علينا طرحه على أنفسنا: كيف أعرف إن كنت نماماً أو أستغيب الآخرين؟ للإجابة على هذا ‏السؤال من الضروري أن يسأل كل إنسان نفسه الأسئلة العمليّة التّالية قبل أن ينطق بأي حديث عن ‏الآخرين.‏

هل كلامي صحيح : تذكر أنه كلما ازدادت إثارة الكلام، كلما قلت مصداقيته.‏
هل كلامي ضروري.‏
هل كلامي مفيد وبناء ولطيف.‏
هل عندي الحق أو الإذن في أن أتحدث عن الآخرين.‏
هل دوافعي صادقة.‏
حتى ولو كانت إجابات الواحد منا هي “نعم” لكل واحد من هذه الأسئلة، فمن الأفضل أن تصمت وأن لا ‏تتحدث عن الآخرين بأي سوء في غيابهم.‏

لا يوجد أي إنسان في الوجود يستطيع أن يقول وبملأ الفم بأنه لم يستغيب أي إنسان في حياته، فكلنا ارتكبنا ‏خطيَّة النميمة. والله يدعونا إلى التوبة عن هذه الخطيَّة البشعة. وهذه التوبة تتم باتخاذ ثلاث خطوات عملية ‏للخلاص من هذه العادة الرّدية:‏

لا تنطق ولو بكلمة واحدة بحق أي إنسان في غيابه إن كنت لا تستطيع أن تنطق بنفس الكلمة في ‏حضوره.‏
لا تقل أي شيء عن شخص معين دون حضور هذا الشخص للرد عليك.‏
ارفض الاستماع للشخص النّمام أو الذي يتحدث أمامك عن الآخرين، وادع هذا الشخص إلى تغيير ‏موضوع الحديث والكف عن النميمة.‏
إذا جاء شخص وقال لك: أريد أن أخبرك شيئاً عن “فلان” أو “فلانة”، فقل له: “عفواً، هل يمكنني أن ‏أقتبس كلامك وأنقله إلى الشخص المعني بالحديث؟”. تأكد بأن ناقل الحديث سيتوقف رأساً لأنه يعلم بأن ما ‏سيقوله سلبي وبأن دوافعه غير مقدّسة.‏

لذلك دعونا نتوقف عن الكلام عن الآخرين، ولا تترك الفرصة لأحد أن يتكلم أمامك ضد الآخرين، حتى لو ‏استمعت لكلام ضد شخص ما، فلا تنقله لغيرك وبذلك تعمل على توقيف دائرة وحلقة النميمة. وواجه الأشخاص النمامين بمحبة ناصحاً إياهم أن يتوقفوا عن هذا الأسلوب في ‏الحياة.‏

‏3. الأكاذيب وشهادة الزور: عندما يتحدث النَّاس بكلام غير صحيح، أي كلام كذب، فإن أقوالهم مخجلة ‏ومكروهة من الله. نقرأ في سفر الأمثال 22:12 “كَرَاهَةُ الرَّب شَفَتَا كَذِبٍ، أَمَّا الْعَامِلُونَ بِالصِّدْقِ فَرِضَاهُ”. ‏في الأصل العبري، كلمة كراهة هنا تعني حرفياً “شيء مقرف ومقزز”. أي أن الكذب شيء مقرف ومثير ‏للغثيان. وما أكثر النَّاس الذين دمرت حياتهم بسبب الكذب. حتى عندما ينطق النّاس بأكاذيب يصفونها ‏بأنها أكاذيب بيضاء أو لا تضر بأحد، فهي في النهاية أكاذيب، وهي أمور باطلة أمام الله، بل إنها مكروهة ‏ومقرفة ولا تليق بالإنسان مهما كان .‏

4. الحلفان والشتائم والتجديف: أعطانا الله وصاياه المقدّسة بدافع من محبته ولانه يريد الخير لنا. وواحدة ‏من أهم وصايا الله لنا هي قوله: ” لاَ تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلَهِكَ بَاطِلاً، لأَنَّ الرَّبَّ لاَ يُبْرِئُ مَنْ نَطَقَ بِاسْمِهِ ‏بَاطِلاً”. (خروج 7:20). عندما يقسم أو يحلف الإنسان فإنه لحظتها ينطق باسم الله باطلاً، وسبب ذلك هو ‏أن الإنسان الصادق لا يحتاج أن يقسم ليبرهن على صدق كلامه. وقد قال السيد المسيح بكل ‏وضوح: “لا تحلفوا البتّة …بل ليكن كلامكم: نعم نعم، لا لا. وما زاد على ذلك فهو من الشّرير” (متى ‏‏33:5 – 37). ونقرأ في رسالة يعقوب تحذيرا صارماً ضد الحلفان: “وَلَكِنْ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ يَا إِخْوَتِي لاَ ‏تَحْلِفُوا لاَ بِالسَّمَاءِ وَلاَ بِالأَرْضِ وَلاَ بِقَسَمٍ آخَرَ. بَلْ لِتَكُنْ نَعَمْكُمْ نَعَمْ وَلاَكُمْ لاَ، لِئَلاَّ تَقَعُوا تَحْتَ دَيْنُونَةٍ” ‏‏(يعقوب 12:5). أي أن دينونة الله ستقع على من يحلف. وكذلك التجديف على الله أوعلى النَّاس هو قمة ‏الشّر والخطية. لذلك على كل إنسان أن ينتبه لنفسه ويتأكد بان لا ينطق بلسانه كلام الموت والدمار. إن من ‏كان هذا وضعه فانه يعيش في خطيَّة قاتلة في لحياته وعليه أن ينتبه لما يقوله بلسانه. علينا جميعاً أن ننتبه ‏مع من نتحدث، وكيف نتحدث، وأين نتحدث، وبماذا نتحدث.‏

علمنا السيد المسيح أن نبارك حتى من يلعننا.
ثانياً: لسان الحياة والبناء. توجد عدة صفات لهذا اللّسان ومنها:‏
‏1.‏ اللِّسان الذي يصمت عند الضرورة.‏
‏2.‏ اللِّسان الذي لا يشي بقريبه.‏
‏3.‏ اللِّسان الذي لا يتحدث بالنميمة.‏
‏4.‏ اللِّسان الذي يعتاد على الصلاة والترنيم وتسبيح الله.‏
‏5.‏ اللِّسان الذي يشهد عن عمل الله في حياته.‏
‏6.‏ اللِّسان الذي يقول الصدق بمحبَّة.‏
‏7.‏ اللِّسان الذي لا يشتكي ولا يتذمر.‏
‏8.‏ اللِّسان الذي يقدم رسائل إيجابية للآخرين، أي لسان اللطف والتشجيع والمدح والعطف.‏
‏9.‏ اللِّسان الذي يمجد الله دائماً.‏

خطوات عملية لضبط اللِّسان وحفظه
‏1. ‏يحتوي سفر الأمثال كلام عن اللِّسان نافع لحياتنا اليومية، لأن فيه حكمة الله التي تهذب النفس ‏البشرية.‏

استمع لما يقوله الله لك في سفر الأمثال 18:12 “يُوجَدُ مَنْ يَهْذُرُ مِثْلَ طَعْنِ السَّيْفِ، أَمَّا لِسَانُ الْحُكَمَاءِ ‏فَشِفَاءٌ”.‏
2. صلِّ وفكر أوّلاً: على كل إنسان أن يعترف بأنه كإنسان ضعيف وعاجز، وما أسهل أن يسقط بالتجربة ‏ويتلفظ بما لا يليق بحق الآخرين. لذلك فكل واحد منا بحاجة إلى نعمة خاصة وقوة من السماء لتساعدنا ‏على ترويض ألسنتنا وضبتها. علينا أن لا نيأس قائلين بأننا لا نستطيع أن نروّض ألسنتنا ونضبطها. ‏يستطيع الله أن يعطينا النصرة على ألسنتنا. وبالتالي لا ننطق إلا بما ‏هو نافع ويليق ويمجد الله.‏
صلِّ كما صلى داود في مزمور 14:19 “لِتَكُنْ أَقْوَالُ فَمِي وَفِكْرُ ‏قَلْبِي مَرْضِيَّةً أَمَامَكَ يَا رَبُّ، صَخْرَتِي وَوَلِيِّي”.‏

‏3. قلل من كلامك: نقرأ في سفر الأمثال 19:10 “كَثْرَةُ الْكَلاَمِ لاَ تَخْلُو مِنْ مَعْصِيَةٍ، أَمَّا الضَّابِطُ شَفَتَيْهِ ‏فَعَاقِلٌ” . فكلما ازداد كلامنا، كلما ازدادت فرص سقوطنا في الخطيَّة وقول ما لا يليق. وهذا الدرس علينا ‏أن نتعلمه ونمارسه في حياتنا اليوميّة.‏

لنترك عادتنا القديمة بكثرة الكلام، ونبدأ أسلوباً جديداً في الحياة المنضبطة. قال النبي داود : “أَتَحَفَّظُ لِسَبِيلِي مِنَ الخطأ بِلِسَانِي. أَحْفَظُ لِفَمِي ‏كِمَامَةً فِيمَا الشِّرِّيرُ مُقَابِلِي”. (مزمور 1:39).‏

‏4. شجع وابن الآخرين: يذكرنا الله باستمرار أن نشجع بعضنا البعض، ونبني بعضنا ‏البعض. فالكلمات الإيجابية والمشجعة تعطي الحياة للناس. نقرأ في سفر الأمثال 25:12: “الْغَمُّ فِي قَلْبِ ‏الرَّجُلِ يُحْنِيهِ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ تُفَرِّحُهُ”. فمثلاً: عندما يرتكب ابنك عملاً خاطئاً أو عملاً لا يليق. عليك أن لا ‏تقول له: “أنت ولد رديء. أنت ابن شرير أو ابن عاق”. بل قل له: “ما الشيء الذي فعلته ولا تريد أن تفعله ‏مرة أخرى؟”. أو قل له: “الذي فعلته لا يليق بولد مؤدب وخلوق مثلك، وأنا متأكد بأنك لن تفعله مرة ‏ثانية”. في الواقع أن الولد أو البنت يتصرف بحسب ما تقوله له. فإن اعتاد أن يسمع منك بأنه شرير أو ‏رديء أو فاشل، فإنه سيعيش حياة الشر والفشل.‏

أريد بهذا الصدد أن أضع تحدياً أمامنا جميعاً: حاول كل يوم من أيامك الباقية على الأرض أن تقول ولو ‏جملة تشجيع واحدة لمن تتحدث معهم، أو لمن يضعهم الله في طريقك.‏
أيها الأب: قل لابنك أو لابنتك كلاماً يبني ويشجع.‏

أيها الشاب: قل لأمك أو لأبيك كلاماً يفرحهم بك.‏

أيها الصديق: قل لصديقك عبارة ترفع معنوياته.‏

أيتها الزوجة وأيها الزوج: تبادلوا كلمات المحبَّة والمدح والثناء.‏

‏5. اطلب من الله قلباً جديداً: أنا واثق بأن الله يعرف بأننا لا نستطيع أن نروض ألسنتنا ونهذبها بقوتنا ‏البشرية. لذلك إن أردت أن يتوقف لسانك عن النميمة وكلام السفاهة وعن الكذب واللعنات والحلفان، ثم صلِّ كما صلى نبي الله داود في مزمور 10:51 “قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا ‏جَدِّدْ فِي دَاخِلِي”. فمن “فَضْلَةِ الْقَلْب يَتَكَلَّمُ الْفَمُ” “اللِّسان” (متى 34:12).
كذلك تذكر كلمات السيد المسيح في متى 35:12 “اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنَ الْكَنْزِ الصَّالِحِ فِي الْقَلْب يُخْرِجُ الصَّالِحَاتِ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ ‏مِنَ الْكَنْزِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشُّرُورَ”.‏
……………………………………………………..
كاتب المقال: كاهن كنيسة مارجرجس المطرية – القاهرة

زر الذهاب إلى الأعلى