رشا ضاحى تكتب: رحلة مع أسماء الله الحسنى.. (35) الشهيد

تتواصل رحلتنا مع أسماء الله الحسنى ونتحدث اليوم عن اسم الله الشهيد جل جلاله

ورد هذا الاسم في القرآن ثماني عشرة مرة، منها قوله تعالى: ﴿ما قُلتُ لَهُم إِلّا ما أَمَرتَني بِهِ أَنِ اعبُدُوا اللَّهَ رَبّي وَرَبَّكُم وَكُنتُ عَلَيهِم شَهيدًا ما دُمتُ فيهِم فَلَمّا تَوَفَّيتَني كُنتَ أَنتَ الرَّقيبَ عَلَيهِم وَأَنتَ عَلى كُلِّ شَيءٍ شَهيدٌ﴾، (المائدة: 117).

الشهيد في اللغة: هو الأمين في شهادته فيشهد بما رأت عينه دون زيادة أو نقص.

ومعنى الشهيد في حق الله تبارك وتعالى: قال ابن جرير: (وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ): وأنتَ تَشْهد على كلّ شيء؛ لأنه لا يَخْفى عليك شيء. 

وقال الزجاجي: فالله عز وجل لما كانت الأشياء لا تخفى عليه، كان شهيداً لها وشاهداً لها، أي: عالماً بها وبحقائقها، علم المشاهدة لها؛ لأنه لا تخفى عليه خافية.

وقال الخطابي: هو الذي لا يغيب عنه شيء، يقال: شاهدٌ وشهيد، كعالم وعليم، أي: كأنه الحاضر الشاهدُ الذي لا يعزبُ عنه شيء، وقد قال سبحانه: (فمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (البقرة: 185)، أي: مَنْ حَضر منكم الشهرَ؛ فليَصمه.

 ويكون الشهيد بمعنى: العليم، كقوله: (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ) (آل عمران: 18)، قيل معناه: علمَ الله، وقال أبو العباس أحمد بن يحيى، معناه: بيَّن الله أنه لا إله إلا هو.

والفرق بين أسماء الله :الشهيد ، والخبير ، والعليم، وضحه الغزالي بقوله: فإذا اعتبر العلم مطلقًا فهو العليم، وإذا أضيف إلى الغيب والأمور الباطنة فهو الخبير، وإذا أضيف إلى الأمور الظاهرة فهو الشهيد، وقد يعتبر مع هذا أن يشهد على الخلق يوم القيامة بما علم.

وفي صحيح البخاري قصة يتجلى فيها اسم الله الشهيد جل جلاله، وهى كالتالى:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَالَ: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ، فَقَالَ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، قَالَ: فَأْتِنِي بِالكَفِيلِ، قَالَ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا، قَالَ: صَدَقْتَ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَخَرَجَ فِي البَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ التَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا، فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا، فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا (أي سَوَّى مَوْضع النَّقْر وأصلحَه)، ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى البَحْرِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلاَنًا أَلْفَ دِينَارٍ، فَسَأَلَنِي كَفِيلاَ، فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا، فَرَضِيَ بِكَ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا، فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، فَرَضِيَ بِكَ، وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا، فَرَمَى بِهَا فِي البَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ.

ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا بِالخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا المَالُ، فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ المَالَ وَالصَّحِيفَةَ، ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، فَأَتَى بِالأَلْفِ دِينَارٍ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ، فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ، قَالَ: هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الخَشَبَةِ، فَانْصَرِفْ بِالأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا “

ومن ثمرات الإيمان باسم الله الشهيد، تزكية النفس وطهارة القلب:

فإن شعور العبد المؤمن بأن الله تعالى شهيد على أعماله ورقيب على خطراته وكوامن قلبه، يدفعه دفعًا أن يطهر هذا القلب تطهيرًا، ومحال أن يتدنس قلب ملأه مراقبة الجليل عز وجل.

قال سهل بن عبد الله التستري: لم يتزين القلب بشيء أفضل ولا أشرف من علم العبد بأن الله شاهده حيث كان.

وحتى نلتقي دمتم في رعاية الله وأمنه.

اقرأ ايضا للكاتبة:

زر الذهاب إلى الأعلى