برشوم.. قرية “أكل عيشها” من تلوث البيئة

أكبر منتج ومصدر للفحم النباتى فى مصر

كتب: إسلام فليفل

“برشوم” اسم لأجود أنواع الفحم النباتى على مستوى الجمهورية، وهو منسوب لقرية “برشوم” التى تحتل المرتبة الأولى في إنتاج وتصدير الفحم، حيث تمتلك أكثر من ألفى مكمرة فحم، ويعمل بهذه الصناعة ما يزيد على عشرين ألف فرد من أهالى القرية والقرى المجاورة لها، بعضهم من الأطفال، تتبع “برشوم” مركز طوخ بمحافظة القليوبية، وتعتبر من أخطر مصادر التلوث في القاهرة الكبرى، وإليها يرجع السبب فى تكوين السحابة السوداء، وهو الأمر الذى دعا المحافظ إلى إيقافها عن العمل لعدة أشهر في السنة، وهي الأشهر التي تزامن مع موسم حصاد الأرز.

يقول على جاد الله صاحب مكمرة، هذه المهنة ورثناها أبا عن جد، والطريقة المتبعة الآن في العمل لا تسبب تلوثا للبيئة حيث يتم رص الخشب، ثم يغطى بقش الأرز، ثم يغطى بالتراب وبعد ذلك نشعل النار فيه ويتم كتمها، ويستمر العمل لمدة شهر، وعندما يهلك الخشب يتم “جسه”، بالسيخ الحديدى، وعندما يكون وصل لمرحلة الفحم، لكن الطريقة القديمة كانت ملوثة للبيئة، وتسمى التفحيم، بدون “كتم” بالتراب، وكان الخشب يحترق لمدة يومين ثم يطفأ بالماء، وهذه العملية كانت مربحة لنا لأنها كانت تستغرق يومين فقط، والكمية التي ننتجها أضعاف ما ننتجه حاليًا، وكنا نصرف المخلفات في الترع، ومنذ عدة سنوات صدر قرار من وزارة شئون البيئة باستخدام أفران الغاز في “المكامير”، لكن الفكرة لم تنجح لأن التكلفة عالية جدًا، والأفران تحتاج إلى كميات ضخمة من الغاز والمنتج منها بسيط، ونحن نشترى الخشب من البحيرة والإسماعيلية، وأجر العامل يتراوح ما بين 150 إلى 200 جنيها في اليوم، وبذلك يستطيع بفتح بيت بهذا المبلغ، فلماذا إذن يحاربنا البعض في أكل عيشنا.

برشوم
برشوم

إذا كان هذا دفاع أصحاب “المكامير” فالأطفال الذين يعملون في هذا التلوث يدافعون أيضًا وباستماتة عن أكل عيشهم رغم الخطر الذى يحيط بهم.

ويؤكد أحمد عنتر الذي يبلغ من العمر 16 سنة، ويعمل منذ 9سنوات في مجال الفحم أنه كان يشعر بالاختناق في بداية الالتحاق بالعمل، ولكن مع مرور الأيام تعود على الدخان، ويضيف: “تعودت على كده وكان لازم  أشتغل بعد ما أبويا سابنا وطفش، مين هيصرف على إخواتى ومفيش أى مهنة تانية في بلدنا غير الشغل في الفحم، وصاحب الشغل بيشترى لنا لبن وعصير عشان يخفف نت آثار الدخان علينا”.

أما فارس عبد المحسن ابن صاحب “المكمرة”، فيقول أنا خريج سياحة وفنادق ومنذ صغرى وأنا أعمل “صبى” في “المكمرة” مع والدى، وبعدما تخرجت اشتغلت في مالى، وتابع: “، أبحث عن شغل ليه وأنا عندى مشروع خاص بى؟ والناس بتشتغل عندنا، هاخد كام من شغل الحكومة؟، وهو فين الشغل أصلًا أنا دخلى من “المكامير” كويس جدًا، صحيح عندنا مشكل وفيه تلوث بس دا شغلنا”.

وأكد، المحافظ أصدر قرارًا بأن تعمل “المكامير” ستة أشهر، وتتوقف لمدة ستة أشهر والتزمنا بالقرار في الأول لكن الناس طالبت بالشغل لأن الطلب عليه بيزيد، كما أن 99% من الناس في القرية عايشة على الفحم وهو رزق يوم بيوم وبعد كده صدر قرار بالشغل8 أشهر والتوقف 4 أشهر بحيث نحافظ على البيئة، لكن القرار مقدرناش ننفذه، وأخيراً جاءت فكرة التطوير بالأفران ولكنها مكلفة جدًا.

برشوم
برشوم

ويضيف فارس: “طن الفحم يتكلف حوالى 900جنيهًا، وينتج طن الخشب 2 طن فحم وأصى كمية يمكن حرقها في “المكمرة” 3 أطنان، وعن مشاكلة مع وزارة البيئة قال: لا تنتهى، وتحاول التضييق عليينا رغم أن هذه “المكامير” يعمل بها حوالى عشرين ألف فرد فاتحين بيوتهم ودخلهم الوحيد منها، إضافة إلى من يعملون في محلات الفحم في كل محافظات الجمهورية، والأطفال لو مش محتاجين مش هيخرجوا يشتغلوا، وعمرنا ما اتعمل لنا محضر لعمالة الأطفال مع إنهم بيشوفوا الأطفال داخل المكامير، وكل المحاضر خاصة بتلوث البيئة، ونحن نتوقف عن العمل من سبتمر إلى يناير، وهى فترة السحابة السوداء وحرق قش الأرز.

الطرف الآخر من المشكلة وهم سكان المنطقة والمزارعون والمجاورون للمكامير الذين يشعرون بالضيق منها، ويعتبرونها مصدرًا للتلوث وتدمير الصحة العامة، ويقول محمد محمود، وهو من أهالي القرية: نحن نعانى من التلوث الذى يحاصررنا من كل جانب من عوادم السيارات والقمامة، وحرق قش الأرز، والأخطر المكامير لدرجة أن غالبيتنا مصابين بالأمراض الصدرية.

ويطالب أشرف صادق فلاح من القرية، بنقل المكامير إلى الصحراء، ويقول: “المكامير دى لازم تروح الجبل، والأمر لا يحتاج سوى طلمبة في الأرض لحل مشكلة الماء وماسورة للصرف ويعيش أصحاب المكامير هناك، فالمشكلة الحقيقية هنا أنهم يرمون المخلفات في الترع مما يؤدى إلى تلوث مياة الرى وتدمير المحاصيل، وإصابتنا بالأمراض وأخطرها الفشل الكلوى وفيروس الكبد وأمراض القلب.

ومن جانبة يوضح د. مدحت الشافعى أستاذ المناعة بطب القاهرة أن الفحم يحتوى على أكاسيد ضارة على صحة الإنسان فى حالة استنشاقه للغازات المنبعثة من عملية الحرق حيث تؤدى للإصابة بأمراض تنفسية عديدة تختلف بحسب نوع الغاز المستنشق، فمن المعروف أن أكاسيد الكبريت تؤدى إلى تفاعلات التهابية في القصبات الهوائية في حين تؤدى الغازات الهيدروكربونية إلى الإصابة بأمراض سرطانية، أما غاز أول أكسيد الكربون فإن له قدرة على الاتحاد مع الهيموجلوبين 200مرة أكثر من الأكسجين وبالتالى فإنه يؤدى إلى التسمم والصداع والغثيان والدوخة وضيق التنفس، وفى حالة ارتفاع تركيز الغاز واستمرار تعرض الجسم له فإنه يؤدى إلى أعراض مزمنة مثل ضعف الذاكرة واضطرابات فى النوم والسلوك، وارتفاع فى مستوى  الكوليسترول أما بالنسبة لغاز ثاني أكسيد الكربون فإن تواجده فى الجو يؤدى إلى التشوش الذهنى والشلل الارتخائى فى حيت يمكن أن يؤدى تراكم الغاز إلى التليف فى الرئتين والوفاة، إضافة إلى بعض المخلفات الأخرى التي تؤثر على الثروة الزراعية والمائية، وتكون الخطورة أكبر إذا كانت مناطق إنتاج الفحم قريبة من التجمعات السكانية حيث تؤثر هذه الغازات والأبخرة ليس على العاملين في الإنتاج فقط لكن على سكان المنطقة كلها.

زر الذهاب إلى الأعلى