«سن التقاعد» ما بين الكابوس وتحقيق الأحلام.. د.إيمان عبدالله تصف روشتة السعادة 

كتبت: أسماء خليل

في مفترق طرق الحياة والمُسميات التي يُطلقها المجتمع ولا تتناسب بأى شكل مع الواقع؛ يأتي ذلك المصطلح “سن التقاعد”.

وفى المُفارقة بين مَنْ يعتقد أن تلك المرحلة نهاية الحياة ومن يؤمن بأنها حياة جديدة، يتحول المجتمع فى نظرته لأصحاب هذه الفئة العمرية نحو الأسؤ، ويتخلى المجتمع ومؤسساته عمن يصل من أفراده لهذا العمر تاركا أياهم بين مؤسسة تحيله على المعاش، وأبناء قد يهمشون دورهم، وينكرون فضلهم، ويتعاملون معهم بجحود يقتلهم قبل أن يتوفاهم الله.

ورغم أن هناك بعضًا من دول العالم، يعتقد أفرادها أن ذلك السن هو سن الحرية والاستمتاع والسياحة لمشاهدة العالم، فعلى النقيض نرى الآخرين يمنحون أنفسهم الحق في الحجر الفكري والإرادي وربما المادي، على ذويهم في تلك المرحلة من العمر.

طالع المزيد:

كيف يستطيع الإنسان في تلك المرحلة العمرية التكيف مع بيئته مما يجعله سعيدًا؟!.. وما هي أنسب السلوكيات في ذلك العمر؟!..

وفى الحديث التالى لـ “بيان” تلقى الدكتورة “إيمان عبد الله”، أستاذ علم النفس وخبيرة الإرشاد الأسرى، الضؤ على بعض النقاط الهامة لأصحاب هذه الفئة العمرية، لتكون زادًا لهم في هذا الجزء من المشوار ورحلة الحياة للاستمتاع بها وتحقيق السعادة.

ما بين الكابوس وتحقيق الأحلام

تقول دكتورة إيمان إن هذا السن يستلزم تأهيلًا نفسيًّا وصحيًّا واجتماعيًّا، حيث لابد أن يكون هذا السن سن الراحة والأمان وخلو البال من أي مشكلات نفسية أو اجتماعية، وسن الطاقة الروحانية بتقوية العلاقة مع الله، وكذلك الطاقة الجسمانية بممارسة الرياضة، سن التطلع لأشياء أخرى خارج صندوق ما اعتاد عليه، لخلو تلك المرحلة من المسؤوليات والأعباء الكثيرة التي كان الماضي يعبأ بها.

وترى عبد الله، أنَّ مشكلة التقاعد “مُفتعلة”، وهي التي نصنعها بأنفسنا؛ فهناك من يخاف من يوم التقاعد كأنه كابوس، وهناك من ينتظر ذلك اليوم مبتهجا حاملًا أملًا جديدًا بعمل مشروعًا خاصًا به، بعيدًا عن رتابة وملل العمل المؤسسي، ويرى ذلك التوقيت بداية لتحقيق الأحلام.. وما بين الفريق الإيجابي والسلبي توجد الفروق الإنسانية، فالفريق الإيجابي يصنع الأمل، والفريق السلبي هو من يشعر وكأن صدمة ستطيح بحياته، فيلتجأ إلى إدمان مشاهدة الدراما ومجرد تضييع الوقت، أو إدمان السجائر أو الحياة التي تحمل سمات اللامبالاة.

الإحلال والإبدال

وتشير أستاذ علم النفس، إلى نظرية هامة، تسمى “الإحلال والإبدال” ، فحينما يضيع شيء لدى الإنسان من شأنه إيجاد السعادة بالحياة؛ عليه إبداله بعمل موازي له، و الاستيقاظ والنوم بنفس الأوقات السابقة وممارسة نفس النظام اليومي خلال العمل السابق، فحينما يوجد “الخواء النفسي” أي الحياة بلا هدف، الحياة التي يسكنها ملل قوي، تتدهور الحالة النفسية للإنسان.

أرشيفية
أرشيفية

وتؤكد خبيرة الإرشاد الأسرى، أن تدنى الدخل في سن التقاعد، يُعد من أهم الأسباب المؤلمة بتلك المرحلة، وتنصح الجميع بالتخطيط الجيد، ولو باقتصاص جزءًا من الراتب بشكل شهري حسبةً لتلك المرحلة الهامة، وكذلك تشير إلى أن الجلوس المفاجئ، يجعل المرء يتأزم نفسيا وربما استسلم لشعور انتظار الموت، في الحين الذي إذا تعمق بالفكر، سيجد أن الجميع سيموت، فهناك شباب في ريعان أعمارهم ويموتون، فالحكمة التي علمنا إياها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هي أن نعمل لدنيانا كأننا نعيش أبدا ونعمل لآخرتنا كأننا سنموت غدا.

كن منتجًا

وترى عبد الله، أنه لابد لكل شخص في ذلك السن، أن يكون منتجا حتى تحلو الحياة من خلال إسعاد الآخرين، فلابد من وجود أعمال تتناسب وكل مرحلة سنية يمر بها الإنسان، بما في ذلك ضرورة حركة الجسم فكلما كانت الدورة الدموية أنشط، كلما تحسنت الحالة المزاجية للإنسان، حتى لا يستغلك جسدك أسوء استغلال، فعلى أي إنسان أن يستغل هو جسده لا العكس، لأن الجسد هو وقود الإنسان.. وعليه ألا يشعر شعور العاطل ويسري داخله إحساس البطالة في سن متقدم ويشعر بهرج ومرج، وعلي سبيل المثال إذا كان شخصًا ذا سلطة؛ تجده يبدأ التحكم في أهل بيته بشكل مرضي ويمارس السلطة عليهم، فعدم القدرة على عمل شيء هام، يجعله لا يكف عن النقد والتدخل المغلف بالنقد الهدام في تربية الأبناء والأحفاد.

نظرة المجتمع

وتوضح أستاذ علم النفس، أنه ربما ينظر المجتمع للمسن على أنه شخص غير منتج، رغم أن التقدم العلمي، جعل تلك الفئة كبيرة جدا؛ لاستحداث طرق العلاج والوقاية، فكيف تتوقف تلك الفئة السنية عن العمل بالشركات الكبرى، لابد من استغلال تلك الطاقة الكبيرة داخلهم، ولو يكونوا مستشارين.

وتضرب مثلا بإحدى دار المسنين بدولة أجنبية، حيث وجد القائمون على العمل أن ساكني الدار، هم أكثر فئة تعاني من الاكتئاب، وعندما قاموا بطرح فكرة تبني كل أسرة لمسن مقابل بضع من المال، قل الاكتئاب لديهم بشكل كبير.

مشكلات تواجه المرأة

وتوضح أستاذ علم النفس، أن هناك بعض السيدات تخطط لأن تقوم بالاهتمام ببيتها بعد ذلك السن، ولكنها تجد أن هناك ما يؤثر على حالتها المزاجية من تغير هرموني، إذ تعمل الهرمونات على عكس طبيعتها، فيحدث لها نوع من الاضطراب، وكذلك من الناحية الجسمانية فتجد أنه أصابها السمنة والتهاب المفاصل، وحين يزداد ألمها، فبإمكانها أن تدمن عادات غير إيجابية، كالتحدث بالغيبة والنميمة مع جاراتها، أو صديقاتها، أو إدمان المسكنات والأدوية، ولكن عليها أن تقاوم كل شيء ولا تستسلم للفكر السلبي وتبدأ في ممارسة هواياتها وعمل كل مفيد.

وتؤكد عبد الله، أن هذا الموضوع يحتاج إلى بذل جهد ودراسة، فهناك أحكام غير معقولة يطبقها المجتمع ويحكم على أحد أفراده بالشيخوخة، فمثلا نجد في بعض القطاعات كالشرطة والجيش، يتقاعد الرجل عند سن يقارب الخمسين، وهو ما يزال قادرا على العطاء، وكذلك بعض المؤسسات والشركات.

الشيخوخة السلوكية

تصف دكتورة إيمان ذلك السن ب “الشيخوخة السلوكية”.. فلا يوجد سن للشيخوخة أو الشباب، فالقلب هو محل العمر، لابد من الاهتمام بطرق الإعداد لهذه المرحلة، وعلي الأهل كذلك احترام وتقدير واحتواء ذويهم في ذلك السن، فإنهم متوقعون أن يحصدوا ما زرعوا طيلة حياتهم..لابد من مساعدتهم لعدم الشعوربتدنى الذات، بعدم تهميشهم ومشاركتهم الرأي، وعدم تحميلهم أكثر من طاقتهم، وكذلك يجب على كل من حوله زيارته والسؤال عليه وليس هاتفيا فقط.

أخيرا

تنصح خبيرة الإرشاد الأسرى المؤسسات بضرورة الاستفادة من خبرات هؤلاء الأشخاص، وكذلك على كل إنسان ممارسة هوايته، والخروج والاستمتاع بالحياة، والاهتمام بصحته ونفسيته، وتنظيم وقته، وتجنب المشكلات النفسية، ومشاهدة الحياة.. وتختتم حديثها بنصيحة ذهبية لكل من يعيش الحياة بشكل سلبي في أي مرحلة عمرية، وهي “لا تعتمد على شخص ليجعلك ذا قيمة”.

زر الذهاب إلى الأعلى