د. ناجح إبراهيم يكتب: الفريق خليل وعبد رب النبي .. وداعاً

كتب د. ناجح إبراهيم مقالا ينعى فيه الراحلين الفريق عبد المنعم خليل والفريق عبد رب النبي حافظ، وتم نشر المقال في جريدة الشروق، اليوم السبت.

وهذا هو نص المقال:

• فقدت العسكرية المصرية في يوم واحد اثنين من كبار القادة العسكريين المصريين وهما الفريق عبد المنعم خليل والفريق عبد رب النبي حافظ رئيس أركان حرب الجيش في أوائل الثمانينات والثاني شهد لحظة النصر والعبور وكذلك لحظة جني الثمار برفع العلم المصري فوق العريش بعد انسحاب إسرائيل من سيناء ليري من خلال اللحظة الأولي لفرحة العبور والنصر وإزالة آثار هزيمة 5 يونيه وانكسار الجيش الإسرائيلي ومقتل 300 من أبرز قادة وجنود شارون وإصابة ألف وأسر العشرات منهم وهم صفوة الجيش الإسرائيلي.
• كان لهذه اللحظات طعم خاص عند هؤلاء الأبطال وخاصة أن فرقة شارون هي التي قتلت مئات الأسرى المصريين بعد نكسة 5 يونيه, اللحظة الأولي عاشها العميد عبد رب النبي كأفضل قائد لأفضل تشكيل مصري هو الفرقة 16 مشاة,والتي حصلت علي هذه الميدالية الفريدة,أما اللحظة الثانية فقد شهدها الفريق عبد رب النبي كرئيس للأركان علي قمة الهرم العسكري المصري وهو يري عودة سيناء إلي أحضان مصر والفرحة العارمة بارتفاع علم مصر الخالد علي ربوعها بعد أن دفعت مصر والوطن العربي ضريبة غالية من أجل هذا التحرير.
• لم يكن الفريق عبد رب النبي قائداً عادياً طوال حياته,فقد خدم معه بعض أقاربي حينما كان قائداً للواء 118 مشاة ميكانيكي وكانوا يقولون إنه كان أصغر قائد لواء في تاريخ العسكرية المصرية,وكان محبوباً من الجميع بداية من الجندي وحتى أكبر ضباطه,وكان يجمع بين عدة أمور لم تجتمع إلا للقليل منها الحزم مع الرفق والحب والعلم الواسع,وكان في معظم الأيام يجمع مرؤسيه ويشرح لهم وكان واسع المعرفة في علوم كثيرة.
• وكان يفسر المعجزة التي حدثت في نصر أكتوبر أنها حدثت نتيجة الإخلاص والتفاني الكبير الذي كان أثراً من آثار المحبة التي ربطت بين الجميع قادة وجنوداً,وكانت له كلمة أثيرة أراها مفتاح النجاح لأي قائد حكيم”بالقانون تستطيع أن تحصل علي الواجب وبالحب تستطيع أن تحصل علي المستحيل”.
• المعجزات البشرية لا تحدث إلا من الحب العميق والإخلاص اللانهائي وهذا ما حدث في نصر أكتوبر,تلاحم عجيب غير مسبوق أظنه لن يتكرر,مصر كلها لم تسجل فيها جريمة واحدة خلال أيام الحرب,كل الجيش كان يتوق للشهادة ويتسابق إليها,حاولت قوات شارون بكل عتادها الحديث وبكل أسلحتها الأمريكية الحديثة التي جاءتها عبر الجسر الجوي أن تزحزح مواقع الفرقة 16 مشاة التي كان يقودها الفريق عبد رب النبي حافظ دون جدوى قصف جوي متواصل,قصف مدفعي لا ينقطع هجمات مدرعة,ومظلليين,وخاصة علي الكتيبة 16 مشاة التي كان يقودها المقدم حسين طنطاوي “المشير رحمه الله” دون أن يتزحزح هؤلاء الأبطال,كانت أسوأ ليلة مرت بشارون وفرقته.
• ومن غريب الأقدار أن يموت في نفس اليوم قائده أثناء نصر أكتوبر الفريق د/عبد المنعم خليل الذي انتدب لقيادة الجيش الثاني بعد يوم 16 أكتوبر بعد أن أصيب اللواء سعد مأمون بأزمة قلبية بعد خسارة الدبابات المصرية في تطوير الهجوم,الذي لم يكن موفقاً في توقيته وطريقته وكان مجاملة لسوريا- لم تكن في محلها – لتخفيف الضغط الإسرائيلي عليها,كان عبد المنعم خليل قائداً للجيش الثاني وعبد رب النبي حافظ قائداً للفرقة 16 في نفس الجيش.
• كلاهما يعد من الآباء الروحيين للعسكرية المصرية,وكلاهما تخرج من الكلية الحربية في العهد الملكي,وحضر كل حروب مصر وشارك فيها,والفريق عبد المنعم خليل حضر حرب فلسطين زيادة عن عبد رب النبي,كلاهما جمع بين المدرسة الغربية العسكرية ممثلة في المدرسة العسكرية البريطانية العريقة فكلاهما درس في بريطانيا وكان من البارزين,ومعها المدرسة العسكرية الشرقية ممثلة في المدرسة السوفيتية وكلاهما كان ضليعاً في المدرستين,وكلاهما مزج بين حسنات المدرستين ليخرج نموذجاً عسكرياً مصرياً فريداً قادا به نصر أكتوبر وانتصروا بإمكانيات الأسلحة السوفيتية القديمة علي الأسلحة الأمريكية الحديثة,ولو كان مع الجندي المصري نفس الأسلحة والطائرات الغربية التي كانت تملكها إسرائيل لهزمناهم هزيمة ساحقة,فقد كان فرق التكنولوجيا كبيراً ولكن علم وعزائم رجال مثل عبد المنعم خليل,وعبد رب النبي حافظ استطاع تجاوز هذه العقبات الصعبة.
• ويعد الفريق عبد المنعم خليل من الضباط المصريين القلائل الذين خاضوا معركتي العلمين الأولي والثانية وتعلم من مونتجمري وغيره الكثير,وهي أكبر المعارك العالمية وهو يقترب في ذلك من المؤرخ العسكري المصري العظيم اللواء/حسن البدري الذي يعتبره البعض أبرز مستشاري عبد الناصر بعد نكسة 5 يونيه.
• ويعد هذا الجيل العظيم من العسكريين المصريين من أزهد الأجيال فقد عاش حياته كلها في صعوبات وحروب وتضحيات متواصلة لا يكاد يهنأ بعيش فمن حرب 56,48 ,حرب اليمن,لنكسة يونيو,لانتصار أكتوبر,مروراً بتكوين وتدريب الجيوش العربية ومنها جيوش اليمن والجزائر وليبيا والعراق وغيرها .
• الرئيس مبارك قال للفريق عبد رب النبي بعد انتهاء خدمته كرئيس للأركان: عليك أن تختار أي موقع مدني لأعينك فيه تكريماً لك فقال: لا أريد أي شيء ولا أي منصب,يكفيني شرف أن أختم حياتي كرئيس للأركان,وهكذا فعل الكثيرون ومنهم الفريق عبد المنعم خليل الذي آثر الزهد في الدنيا والانقطاع للعلم والعبادة.
• وحسنا أن الدولة كرمتهما تكريماً عظيماً في السنوات الأخيرة,وقابلهم الرئيس السيسي أحسن لقاء وترحاب وثناء وكرم قائده الأسبق المحبوب عبد رب النبي حافظ بأن أطلق اسمه علي الدفعة 150 من الكلية الحربية,ومنح الفريق عبد المنعم خليل الدكتوراة الفخرية من أكاديمية ناصر العسكرية,فضلاً عن الجنازة العسكرية المهيبة التي تليق بقائدين عظيمين من قادة نصر أكتوبر.
• وقد كان من حسن حظ القائدين أن أطال الله في عمرهما فتوفي أحدهما بعد أن جاوز المائة والآخر بعد التسعين وكلاهما كان في قمة تألقه العقلي والذهني,وبذلك لن يكون من قادة أكتوبر علي قيد الحياة سوى من كان وقت الحرب برتبة المقدم أو الرائد فما تحت.
• هذا الجيل الذهبي يندر أن يتكرر بعطاءاته وسياقات بذله وتضحياته مع شرفه وعزة نفسه,سلام علي الأبطال ولا نامت أعين الجبناء.

زر الذهاب إلى الأعلى