عاطف عبد الغنى يكتب: الجندر.. الوباء القادم
يقرر ابن خلدون فى مقدمته قاعدة اجتماعية مؤداها أن “المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه و نحلته وسائر أحواله وعوائده والسّبب في ذلك أنّ النّفس أبدا تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه”.
يكفينا ما سبق من مقدمة ابن خلدون مقدمة لهذا المقال وفرشة للنظر إلى أحوالنا وأحوال الغرب الذى نقتدى به ونقلده تقليد الغراب للطاووس، وفى الحكايات أن الغراب افتتن بالطاووس فراح يقلده فى مشيته طويلا، فلم يتقنها، فقرر أن يعود لمشيته الأولى فلم يستطع وصار مثلا عند العرب: “غراب البين ضيع المشيتين”.
على خطى الطاووس نندفع لتبنى مصطلحات وأفكار تبدو براقة ومغرية، للمسطحين فكريا، من المسئولين، والمتطلعين للترقى الزائف من طبقات المجتمع المختلفة، أو تروق لأصحاب الغرض، والمرض، فيتبنونها، ويسعون إلى غرسها فى نسيج ثقافتنا الاجتماعية، ويسعون إلى تحويلها إلى برامج عمل، ومن هذه الأفكار الخبيثة ما يسمى: “الجندر”.
“الجندر” Gender كلمة انجليزية ذات أصل لاتيني تعني الجنس من حيث الذكورة والأنوثة، ويشاع أنها تستخدم للتعبير عن عملية دراسة العلاقة المتداخلة بين الرجل والمرأة في المجتمع، وهذا تعريف أكاديمى خادع، لمصطلح يتمدد الآن فى ثقافتنا العربية، وداخل المؤسسات التى تعتنى بالمرأة وشئونها، فـ “الجندر” ليس – مجرد – مصطلحا عابرا، ولكنها ثقافة يراد نشرها فى العالم، تنطلق من نظرية وأيديولوجية تحمل أفكارا غاية فى الخبث، (نعوذ بالله من الخبث والخبائث).
ويمكن أن نلخص المسألة ونبسطها فنقول مثلا إن “الجندر” يشير إلى قضايا “النوع الاجتماعى”، وهى قضايا جديدة فى تناولها على صورتها الحديثة فى مجتمعنا الشرقى، لا لسبب إلا لأنها تتجاوز النسق الآلهى لعلاقة الذكر والأنثى التى أرادها الله سبحانه وتعالى لعمار هذا الكون، إلى التأسيس لعلاقة اخترعها “الشواذ” يحاولون فيها تجاوز الفروق البيلوجية بين الذكر والأنثى، والتى ما جعلها الله إلا للتكامل، وإلى عمار الكون، فيما تسعى مؤسسات ومنظمات، وأفراد ينفقون الأموال الطائلة فى الغرب إلى التلبيس على الناس، بالتأسيس لعلاقة جديدة تلغى هذه الفروق النوعية وتحولها إلى مجرد أدوار اجتماعية، وبمعنى أخر لا اعتبار هنا للفروق البيلوجية، بين الذكر والأنثى، وهو معنى خطير، وأول مظاهر خطورته أنه يضرب مؤسسة الأسرة فى مقتل، يكاد يلغيها، وثانيا يحوّل فطرة الإنسان الجنسية الميالة إلى الآخر المختلف جنسيا، فيجعلها سواء حين يعطل النظر إلى هذه الفروق، ويشجع على توجيهها لنفس النوع، ويسمى الذكر والأنثى “يونسيكس” ولك أن تختار شريكك دون غضاضة، بل وحوافز اختيار الشريك المثلى أكبر بكثير عن اختيار الفطرة.
وتتداخل، وتتماهى بحوث وأفكار “الجندر” مع حركات أجتماعية أخرى تنتشر ببجاحة فى الغرب، ويخدمّ عليها، حركات اجتماعية نشطة مثل حركة “الفيمنيزم Feminism” أو Womenism” أو ما يمكن وصفه بـ النزعة الأنثوية التي تبلورت في الغرب.
ويرى المروجون للمصطلح، ولهذه الثقافة أنه يمكن إلغاء وتغيير الأدوار المنوطة بالرجل والمرأة في المجتمع، ومن ثم ترى “الجندرية” الاختلاف في الأدوار والخصائص بين الرجل والمرأة إنما هو من صنع المجتمع، وأن المرأة يمكن أن تكون قوامة على الرجل، حال تعطله، ويتبادلا الأدوار فى مثل هذه الحالات، طالما هى تنفق على الأسرة.
وأصبح يمثل مفهوم الجندر اتجاهاً جديداً في دراسات المرأة، ويتم طرح مفهومه ليحل محل مفهوم النسوية، والتى أشيع أنها تشير إلى كفاح المرأة من أجل تغيير الأوضاع غير المتساوية بينها وبين الرجل، فيما يرى بعض غلاة الحركة النسوية التقليدية أن الجندر خروج عن الهدف الذي تسعى إليه المرأة فى كفاحها ضد هيمنة المجتمع الذكورى.
وتعتبر الجندرية الأمومة والأبوة دورين اجتماعيين بعد أن فصلهما عن بعدهما البيولوجي، وأن الأنوثة والذكورة هما نتاج التربية والثقافة الاجتماعية فإذا تغيرت تلك الثقافة تغير معها مفهوم الذكورة والأنوثة.
وعلى الرغم من شدة التيار، وسيطرته اللافتة بشدة فى وسائل الإعلام المختلفة، إلا أن بعض الدراسات والمقالات فى الغرب مازالت تخرج تحذر وتشير إلى أن المجتمع الغربي يتجه نحو الانحطاط، وتنتقد توجه قادة الرأى والسياسيون للتبشير علانية بالتوجه الجنسي غير التقليدي، وتصدير هذه “القيم” إلى بلدان أخرى، ومنها بلادنا، والمصيبة أن هذه البضاعة الفاسدة تجتذب المهزومين من مجازيب التقدم الغربى المبهر.