رفعت رشاد يكتب: الغباء الاجتماعي
لا أتناول هنا مدى أحقية المواطن أو عدم أحقيته فيما تقدم به، قررت الكتابة فى هذا الموضوع الذى لاحظت انتشاره مما يشير إلى وجود خلل اجتماعى خاصة بين بعض كبار الموظفين.
منذ فترة قابلت نائباً لرئيس جامعة من أجل طلب لموظف يتبع تلك الجامعة، خلال وجودى بمكتب نائب رئيس الجامعة الذى نشاهده كثيراً على شاشات التليفزيون مرتدياً ثوب الورع والتقوى، دخل المكتب على استحياء طالب مُقعَد يجلس على كرسى متحرك، لم يتمكن الطالب من شرح طلبه أو مبرراته، فقد تلقفه نائب رئيس الجامعة صارخاً فى وجهه مربكاً إياه، وبعد وصلة تعنيف رفض طلبه دون أن يمعن النظر فيه.
خرج الطالب خجلاً.. ومن فورى خرجت أنا فى صورة احتجاجية على ما فعله ولم أعد مرة أخرى رغم تكرار سؤاله عما كنت جئت لأجله
. منذ حدثت تلك الواقعة أنفر من وجود هذا الشخص فى أى مكان أشاهده فيه، سواء كان مؤتمراً أو عزاء أو غير ذلك.
واقعة أخرى.. كنت أزور طبيباً فى موقع قيادى بالتأمين الصحى، وكان الرجل بشوشاً ودوداً، وشجّعنى ذلك على زيارته تلبية لدعوة لشرب القهوة. خلال وجودى بمكتبه دخل مريض يشكو من سوء معاملة الموظفين والأطباء بالمستشفى.
استمع الطبيب المشهور للمريض للحظات ولكنه لم يطق صبراً، فانفجر فيه بأسلوب أقرب إلى السباب وطرده من مكتبه، ولم أتواصل مع هذا الطبيب مرة أخرى.
هذه النماذج للتدليل على أن هناك خللاً اجتماعياً يجب الإسراع بعلاجه، الشخصيات التى تحدثت عنها ليست متدنية المستوى التعليمى أو الاجتماعى، ولو قسنا على طريقة تعاملهم لوجدنا المستوى أكثر انحداراً فى المستويات الاجتماعية الأقل.
تحمست فى الفترة الأخيرة لما طرحه الدكتور أحمد زايد بشأن نهضة ثقافية وتطوير المنتج الثقافى وتسويقه.
ما أتحدث عنه هنا عنصر أساسى فى النهضة الثقافية، فالأخلاق ثقافة، والتعامل بأدب ثقافة، والشخص الذى يفتقد الذكاء الاجتماعى هو غبى اجتماعياً، والغباء الاجتماعى لا يرتبط بمستوى التعليم أو قلة الشهادات التعليمية، وإنما يرتبط بسوء التربية واضطراب الأخلاق الشخصية وانحطاط سلوكه الإنسانى، وهو يحكم على الناس من خلال مظاهرهم أو مناصبهم، وهو يعانى من تضخم الأنا بدون مبرر، ويتمتع بالتعصب المقيت لرأيه.
أطالب بأن يكون ضمن مناهج النهضة الثقافية إعادة تربية هؤلاء من خلال تعليمهم، الإيتيكيت والبروتوكول، وهذا دور وزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة ومنظمات المجتمع المدنى، لأنهم بمثابة مرضى يفتُّون فى عضد المجتمع.
ليست الثقافة أو الحضارة مجرد إنجازات علمية أو فنية أو مادية، إنما تُذكر الأمم بأخلاق شعوبها.. (إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا) شوقى بك العظيم.
لا بد من إعادة تربية الأغبياء وتعليمهم الأدب والأخلاق.