رفعت رشاد يكتب: محرر مزدوج (3)

بياننحكى قصتنا كما لو كنا نحكى عن بشر غيرنا، أو كأنه حلم عابر ، ونندهش هل كنا حقا أبطال الرواية، وهل كانت هذه الأحداث حقيقية؟!، وهل مضت كل هذه السنين ، ثم…. وماذا بعد؟!.. الحكاية مشوقة والكاتب الكبير رفعت رشاد، يستعيد التفاصيل التى نسجها القدر، هو فقط يعيد رصدها فى شغف، وقد نجح فى أن يجعل منه حالة، ونقلها للقارىء بعد أن جعله شريكا له فى حكايته، ولا يغادر كاتب المقال قبل أن يعد القارىء بأحداث جديدة، سوف يحكيها فى الغد.. فلنقرأ مقال اليوم المنشور فى “الوطن” وننتظر:

بعد تعيين الأستاذ سعيد سنبل رئيساً لتحرير الأخبار، قررت مقابلته لحل مشكلة عودتى.

وفى مكتبه المؤقت بالطابق العاشر بالمبنى الرئيسى قابلت مديرة مكتبه السيدة الفاضلة نادية هاشم، متعها الله بالصحة، كانت ودودة للغاية رغم عدم معرفتها بى من قبل، سألتنى عن سبب طلبى المقابلة، أعلمتها بأننى أرغب فى الرجوع إلى «الأخبار»، ورويت لها تفاصيل عن بدايتى فى الجريدة وما حدث بعد ذلك، ووجدتها متحمسة لمطلبى، ودخلت للأستاذ سعيد، وبعد قليل قالت لى هو فى انتظارك واطلب منه كل ما تريد.

وجدته مهذباً خلوقاً، استمع لى بصبر، وبدا متحيراً لا يعرف كيف يتصرف، ووجدتنى أدفعه لاتخاذ الموقف الذى أرغبه، وكان رد فعله إيجابياً ورفع سماعة التليفون وطلب الأستاذة عفاف يحيى، رئيسة قسم التحقيقات، وسألها عنى، وكانت إجابتها إيجابية، فقال لها: «رفعت» سيعود للعمل مرة أخرى معك فى قسم التحقيقات، ورحبت وقالت: فليأت بدءاً من الغد.

شكرته وشكرت نادية هاشم، التى ما زلت أعتز بها زميلة عزيزة. وفى الغد كنت حاضراً بقسم التحقيقات الصحفية مع أساتذة كبار تعلمت على أيديهم الكثير، رحمهم الله. ولم أخطر الأستاذ خطاب فى «الجمهورية» بما تم، وصرت محرراً مزدوجاً؛ محرر تحقيقات فى «الأخبار»، ومحرر تليفزيون وفن فى «الجمهورية». قررت الاحتفاظ بالفرصتين لأننى لم أعد أضمن إحداهما.

لذلك لا بد من التمسك بكلتيهما وأستفيد فى التعيين من الفرصة الأولى سواء فى «الأخبار» أو «الجمهورية». عملت بجدية فى الجريدتين، كنت أكتب التحقيقات الميدانية، وفى نفس الوقت أذهب مساء للمسارح واستوديوهات السينما.

خلال تلك الفترة صدر حكم المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب الذى كان بدأ فصله التشريعى عام ١٩٨٤ وذلك لعوار دستورى بعدما أخذ بنظام الانتخاب بالقائمة المغلقة وعدم إتاحة الفرصة للمستقلين.

كانت «الأخبار» تخصص مساحات كبيرة للنشر عن نشاط مجلس الشعب، لذلك تولى الأستاذ جلال السيد، نائب رئيس التحرير، مسئولية إعداد صفحتين يومياً عن الانتخابات الجديدة بعد الحكم ببطلان المجلس الحالى.

كان عدد أعضاء القسم السياسى أو قسم المؤسسات الدستورية ستة محررين، لذلك كان «جلال» يستعين بزملاء من بقية الأقسام يقوم بتكليفهم بتغطية موسعة للدوائر الانتخابية، وكان أكثر الأقسام مساهمة فى التغطية الانتخابية قسم التحقيقات؛ لأن العاملين بالقسم غير مكلفين بجمع الأخبار وغير مسئولين عن مصادر محددة.

طلب الأستاذ جلال ضم بعض الزملاء من قسم التحقيقات، لكن بعضهم تمنّع من المشاركة، ونظر «جلال» فرآنى أتطلع إلى ضمى لفريقه، فدعانى للحديث خارج القسم، وقال لى: هل لديك الرغبة فى العمل فى تغطية الانتخابات؟ ولمعت عيناى فرحاً وقلت على الفور: ياريت، عندما سمع إجابتى تحمّس ووعدنى بأنه سينقلنى إلى القسم السياسى بعد انتهاء الانتخابات إذا اجتهدت فى عملى.

تلك اللحظة كانت هدفى الأساسى فى عملى بالصحافة؛ أن أعمل فى المجال السياسى، وجاءت الفرصة عفو الخاطر، فلو لم أعد للعمل فى «الأخبار» مرة أخرى لما كنت عملت فى السياسة أصلاً، ولو لم يحل مجلس الشعب لما انتقلت للقسم السياسى.

بل إن ما حدث بعد ذلك كان استمراراً لسلسلة من الظروف القدرية التى أقف أمامها متحيراً حتى الآن.

وفى وقت قصير جداً صرت محرراً بالقسم السياسى، والمدهش أننى وجدت مكتباً خالياً كان للأستاذ شريف رياض، الذى سافر إلى قطر متعاقداً للعمل هناك، وشغلت هذا المكتب لمدة 23 عاماً ولم أتركه إلا بعد تعيينى رئيساً لتحرير «آخر ساعة».

اقرأ أيضا للكاتب:

رفعت رشاد يكتب: حريات محرر مزدوج

رفعت رشاد يكتب: محرر مزدوج (2)

زر الذهاب إلى الأعلى