رفعت رشاد يكتب: مصر في 23 يوليو 1952

بيان

عندما تنتهى من قراءة هذا المقال، البديع الذى نشره الكاتب الكبير جمال عبد الناصر، لا يسعك إلا أن تترحم على قائد ثورة 23 يوليو، الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وقادة الثورة الأبطال، كما يصفهم صاحب المقال المنشور فى صحيفة “الوطن” ونعيد نشره هنا، لقيمته العالية، فى الكشف عن فصل عظيم من تاريخ مصر العظيمة.. اقرأ واحكم بنفسك النص التالى:

عندما أنطق أو أقرأ هذا التاريخ تغمرنى مشاعر جياشة وأحاول بخيالى أن أشاهد ما حدث فى ذاك اليوم الذى تغير فيه التاريخ واستطاع ضباط شبان أحرار إنهاء 2500 سنة من الاحتلال الأجنبى لمصر وإعادتها إلى أهلها ومواطنيها.

حملوا أرواحهم على أكفهم وخرجوا ليلة 23 يوليو لكى يصلحوا مسار التاريخ المعوج ويعيدوا الوطن إلى أهله وأصحابه.

كانوا 99 ضابطاً يعلمون كلمة السر فى تلك الليلة المجيدة، كانت الليلة مثل ليلتنا هذه مرتفعة الحرارة، ولا ينام سكان القاهرة فى تلك الدرجة من الحرارة، ولا تهدأ الضوضاء فى الشوارع حتى الساعات الأولى من النهار ولكن فى تلك الليلة انفض الناس من الشوارع، خبت الأنوار فى المنازل وأغلقت المحال مبكراً ووضعت المزاليج على الأبواب.

لم تكن الليلة عادية مثل كل الليالى، كانت الثورة، زمجرت الدبابات فى الشوارع وتحرك الجنود فى طوابير وأغلقت محاور العاصمة، وظن الناس أن الجيش الإنجليزى المرابط فى القناة تحرك ليحتل القاهرة.

تغير موعد الثورة عدة مرات، حدد جمال عبدالناصر مارس 1952 موعداً، ولكن رشاد مهنا أحد الضباط الأحرار تخلى عن التنظيم وهرب، فقرر عبدالناصر تأجيل الثورة إلى سبتمبر من نفس العام.

وعرف عبدالناصر أن الملك علم بوجود تنظيم الضباط الأحرار وأمر فى 15 يوليو بحل مجلس نادى الضباط وعزل الضباط من مناصبهم وكان من المتوقع اعتقالهم. فى 16 يوليو طلب عبدالناصر عقد اجتماع لمجلس قيادة الثورة فى منزل ثروت عكاشة وحضر جمال وخالد محيى الدين وطلبا الاستماع لأسطوانة شهرزاد، وسحرتهم الموسيقى وعندما انتهت قام جمال وأغلق الجهاز قائلاً: سنبدأ مع بداية الشهر القادم.

اقترح بعض الضباط القيام بعمليات اغتيال للمقربين من الملك والاحتلال الإنجليزى، لكن جمال رفض أى نوع من الإرهاب.

اتفق المجتمعون على أن يذهب جمال وعبدالحكيم عامر للاجتماع مع محمد نجيب لشرح الخطة والأهداف، لكن عند زيارته وجدا عنده ضابطاً شاباً وصحفياً هو محمد حسنين هيكل.

تبادلا مع نجيب بضع كلمات مجاملة عن الاطمئنان عليه وغادرا.

وبعد تحليل جمال بعض الأمور طلب أن يوجد الضباط الأحرار فى القاهرة يوم 22 يوليو بدون تأخير وطالبهم بالبقاء فى منازلهم فى الساعة الثالثة عصراً حتى صدور أوامر أخرى.

وكانت خطة عبدالناصر كما يرويها الضباط الأحرار بسيطة، أن يدخلوا الثكنات ويقبضوا على قيادات الجيش ويضعوهم تحت التحفظ وحدد لكل مشترك فى الثورة المواقع التى يجب الاستيلاء عليها.

فى ذلك الوقت فى ليلة 23 يوليو فى المنتزه كانت العائلة المالكة تحتفل بمرور ستة أشهر على ميلاد ولى العهد الأمير أحمد فؤاد بينما عقد الضباط الأحرار آخر اجتماعاتهم فى منزل خالد محيى الدين تم خلاله تحديد التفاصيل الدقيقة للخطة واتفقوا على أن يكون «النصر» كلمة السر للمشاركين فى الثورة.

كان عدد المشاركين 99 عضواً بالتنظيم، أما الباقون فلم يعلموا بموعد قيام الثورة.

نجحت الثورة واستولى الأحرار على مجلس قيادة الجيش وأمر «ناصر» بإبلاغ الملك بمغادرة البلاد ورفض تماماً إعدامه أو إعدام أى شخص، وتعامل «ناصر» بحزم وسيطر على كل الخيوط حرصاً على الحفاظ على نجاح الثورة.

كان التخلص من الملك أولوية حتى لا تتعرض الثورة لمؤامرة أو يتدخل الإنجليز وغادر الملك مصر يوم 26 يوليو.

توالت انتصارات الثورة، أممت قناة السويس وبنت السد العالى وحققت العدالة الاجتماعية وقادت حركات التحرر فى العالم وطبقت الاشتراكية التى اتسعت فى عهدها الطبقة المتوسطة ونفذت خطتها الصناعية وكان القطاع العام عماد الاقتصاد الذى ساند الجيش فى حروبه. هكذا كانت مصر فى عهد ثورة يوليو 1952.

رحم الله جمال عبدالناصر وقادة الثورة الأبطال.

اقرأ أيضا للكاتب:

رفعت رشاد يكتب:  مصر فى الزمن المعاصر

رفعت رشاد يكتب: مصر في العصر الحديث

زر الذهاب إلى الأعلى