رفعت رشاد يكتب:  مصر فى الزمن المعاصر

بيان

فى هذا المقال الذى نشره الكاتب الكبير رفعت رشاد، فى صحيفة “الوطن” يواصل ما بدأه فى مقاله السابق من سرد لتاريخ مصر، وعلاقة الحكام بالشعب، وفى هذا المقال يسرد التاريخ المعاصر، وفترة حكم الأسرة العلوية، وأحوال المصريين خلالها.. مقال كاشف ، لتاريخ يحاول البعض تزويره لصالح أعداء الوطن.. وهذا نص المقال:

قبل أن ينتهى القرن الثامن عشر كان المواطنون المصريون يخضعون لنظام الملتزم، الذى كان يتيح الفرصة للأغنياء لسداد الضرائب للحكومة ثم يقومون بجمعها من الفلاحين، وهو ما زاد من غنى وقوة هؤلاء فصاروا يتحكمون فى البلاد والعباد.

وعلى مستوى الدولة كان هناك ستة آلاف ملتزم، ثلاثة آلاف منهم من المماليك كانوا يجمعون بين الثراء والقوة.

لم يكن الملتزم يملك الأرض وإنما له حق الانتفاع ولكن بمرور الوقت استطاع الملتزمون أن يحصلوا على حقوق تجور على حقوق الدولة والفلاحين فى الأرض وريعها.

كانت الفترة بين إنهاء حكم المماليك وخروج الفرنسيين من مصر واستقرار حكم محمد على فترة ارتباك فى الحياة السياسية والاجتماعية والمالية.

وكان النزاع والصراع فى جوهره على ملكية الأراضى والاستفادة من ريعها.

كانت الأراضى تخضع لنظم وأشكال ملكية وإدارية متعددة موروثة من نظم حكم مختلفة مرت على البلاد، وكان كل نظام يحدد إدارة وملكية الأراضى بما يعن له، فتعددت أشكال الملكية والإدارة والأشخاص القائمين عليها، وكل ذلك كان يتم بينما الفلاح المصرى صاحب الحق الأصيل ليس طرفاً بالمرة فى مسألة تخصه فى الأساس وتخص ملكيته وتراب وطنه.

بعد عام 1815 كانت السلطة قد دانت واستقرت لمحمد على بعدما نفى عمر مكرم وأحل محله الشيخ السادات نقيباً للأشراف، وأبعد علماء الأزهر وقام بنزع ملكية الأراضى فى مصر كلها لتكون مزرعة كبيرة تحت إدارته، وقد حرص على عدم وجود ضياع خاصة، لأنه كان يرغب فى الاحتفاظ لنفسه بالأرباح الناتجة عن الزراعة، كما أنه استطاع جذب الضباط الأتراك لخدمته لأنه كان يدفع لهم مرتبات أكبر من مرتبات السلطان، لكن بشرط ألا يتملكوا أراضى أو ما يتيح لهم الفرصة لأن يصبحوا ذوى نفوذ على السكان.

وفى نهاية حكمه كان حائزو الأراضى فى مصر هم أعضاء الأسرة الحاكمة والطبقة التركية وكبار موظفى الحكومة الذين منحهم الأبعاديات والأراضى وأعداداً قليلة الأجانب ونسبة ضئيلة من الفلاحين المصريين.

كان تنظيم الدولة الذى سعى إلى تنفيذه محمد على إيجابياً فى جوانب تتعلق بإدارة الأقاليم والمديريات ووسائل الرى وشق الترع وغير ذلك، وهو ما بنى عليه خلفاؤه بصورة تبدو أكثر حداثة.

وكان إسماعيل أبرزهم وتغير شكل الإدارة المصرية واتبعت الشكل الأوروبى، وكان طموح إسماعيل يدفعه للاستدانة وفكر فى إنشاء برلمان مصرى على غرار البرلمانات الأوروبية، ولم يعرف أحد ما كان يدور فى ذهنه بإنشاء البرلمان ولكن من عاصروه من الأجانب قالوا إنه كان يهدف إلى جمع الأعيان فى مكان واحد يمكنه من السيطرة عليهم، وفى نفس الوقت يعطى للدول الأوروبية انطباعاً بأن برلمانه يدعمه فى مطلبه الحصول على القروض التى يريدها وأنه بالتالى ضامن لقروضهم.

بمرور السنين تراكمت ثروات النخبة التى بدأ تشكيلها فى زمن محمد على، وتراكمت سلطاتها وتوالت أجيالها فصارت طبقة سميكة تستحوذ على السلطة والثروة وتخضع لحكام من نسل ألبانى، وكانت الطامة الكبرى باحتلال إنجلترا مصر بالتآمر مع الخديو توفيق ضد ثورة وحرب قادها الجيش وعلى رأسه أحمد عرابى، الذى تم نفيه من البلاد والتنكيل به وبعائلته ومكافأة من تآمروا على البلاد ومنحهم الألقاب والأراضى، فصارت الطبقة العازلة بين الشعب وهؤلاء أكثر سماكة، حتى وصل الفارق إلى أن نصفاً فى المائة كانوا يملكون البلاد بينما بقية المواطنين فى معاناة بين سندان الاحتلال ومطرقة أرستقراطية أحفاد محمد على.

اقرأ أيضا للكاتب:

رفعت رشاد يكتب: مصر في العصر الحديث

 

زر الذهاب إلى الأعلى