رفعت رشاد يكتب: مصر في العصر الحديث

بيان

تاريخ مصر الحديثة فى “برشامة” ، هذا مقال اختصر تاريخ الحكم والسلطة خلال 7 آلاف عاما تقريبا ، لينتهى إلى نتيجة مؤكدة، توضح علاقة المصريين بحكامهم، الأجانب ، للأسف، الذين حكموا هذا الوطن أكثر فترات التاريخ، مقال قيم نشره الكاتب الكبير رفعت رشاد فى صحيفة “الوطن” وهذا نصه:

منذ آلاف السنين كانت مصر كتاب التاريخ الذى دونت فيه حضارتها والحضارات القديمة قصة العالم.

كانت المسرح الذى لعب عليه ممثلون من بابل والفرس والحيثيين والرومان والبيزنطيين والعرب والفاطميين والأيوبيين والمماليك الشراكسة والأتراك والفرنسيين والإنجليز أدواراً مختلفة، جاءوا ورحلوا، وتركوا وراءهم بصمات، بعضها هضمه المصريون وصار جزءاً من ثقافتهم والآخر ذهب أدراج الرياح ولم يعد له وجود.

بهذه الصيغة عاشت مصر وبقيت آلاف السنين، ذهب محتلوها وبقى شعبها حول النيل الذى كان وما زال العمود الفقرى للبلاد، والذى يربط بين أجزائها شمالاً وجنوباً.. وشرقاً وغرباً، ويحرص عليه الجميع لأنه العصب الذى يضمن استمرار الدولة المصرية.

ومنذ عام 1517 صارت مصر ولاية أو باشوية عثمانية بعد أن غزا سليم الأول مصر وأنهى حكم المماليك، يحكمها والٍ أو باشا بتعيين من السلطان العثمانى، وإن كان قد بقى للمماليك القوة والسطوة والحكم على الأرض وكان يمكنهم إجبار السلطان العثمانى على تغيير الوالى وتعيين آخر بدلاً منه، وهو ما حدث وتكرر عدة مرات.

كان الصراع على السلطة والحكم يدور بين الطبقة الحاكمة ولم يكن المواطنون أو السكان طرفاً فى تلك النزاعات، وهو ما رسخ فى الأذهان أن المماليك والأتراك هم أصحاب الدولة وليس مواطنيها من المصريين.

وبعد أن حطت الحملة الفرنسية فى مصر عاش المصريون ثلاث سنوات ساخنة فى وجود قائد عسكرى مثل نابليون وعداء إنجلترا لطموحاته المعلنة برغبته فى بناء إمبراطورية فى الشرق وضرب إنجلترا فى نقاطها الضعيفة وقطع طريقها إلى أكبر مستعمراتها وهى الهند.

شهدت مصر ثورات ضد الفرنسيين وأرسل السلطان العثمانى قوات لمحاربة الفرنسيين، وكان من بين القادة ضابط ألبانى شاب هو محمد على، الذى كان فى المرتبة الثانية من مراتب القيادة ولما قتل صاحب المرتبة الأولى فى القيادة صار محمد على القائد الأول.

وجد محمد على أن المماليك فى حالة ضعف فخطط للاستيلاء على الحكم بذكاء ودهاء، ولم يكتف بتقربه من العلماء وكبار رؤوس المجتمع.

كان محمد على داهية نصب الفخاخ لقادة المماليك كل بشكل حتى دانت له الأمور وخلت الساحة، ولكنه فى نفس الوقت تقرب من السكان بقرارات بالإعفاء من الضرائب، كما اعترض على قرارات الوالى خورشيد باشا بشأن فرض ضرائب غير قانونية، ولما تهيأت الأوضاع اجتمع العلماء المصريون بقيادة عمر مكرم نقيب الأشراف وقرروا عزل خورشيد باشا وتولية محمد على.

وأجبر محمد على، بعد استخدامه القوة ضد خورشيد باشا، السلطان على الإقرار به حاكماً على مصر.

التاريخ صفحات متتالية لا يجوز القفز من إحداها إلى أخرى متجاوزين عدداً بينهما.

وعندما نتكلم عن مصر ما قبل ثورة 23 يوليو 1952 فلنعلم أن الثورة لم تنشب فى التو واللحظة، وإنما سبقها تراكمات من العسف ضد الشعب وإهدار لحقوقه وضياع لآماله.

وإذا كان محمد على يوصف بأنه بانى مصر الحديثة فهو نفسه الذى سفك دماء المماليك غدراً فى مذبحة القلعة، وطارد كل من لم يتمكن من الوصول إلى النوبة وأبادهم جميعاً حتى يستقر على عرشه فى قلعة صلاح الدين المطلة من فوق هضبتها على القاهرة مدينة الفاطميين.

اقرأ أيضا للكاتب:

رفعت رشاد يكتب: أمريكا والهيمنة الإعلامية

رفعت رشاد يكتب: الحوار الوطني وتداول المعلومات

زر الذهاب إلى الأعلى