عاطف عبد الغنى يكتب: شكل وطريقة وتوقيت إعلان الجمهورية الجديدة

بيان

سألنى صديقى: ما هى الطريقة التى يتم من خلالها إعلان الجمهورية الجديدة ؟! وفى التالى إجابتى على السؤال.

أولا أتصور أن توقيت إعلان هذه الجمهورية قد اقترب جدا، وأن هذا التوقيت مرتبط بإعلانات تنموية ضخمة، ومشاريع كبيرة، مثل افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة، وافتتاح وتشغيل المتحف الكبير بالهرم، أكبر مشروع حضارى وثقافى فى الربع الأول من القرن الواحد والعشرين على الأقل، والذى سيضيف لمصر مقدرات اقتصادية كبيرة لاشك.

ويضاف إلى ما سبق أفكار أخرى فى ذهن القيادة السياسية تحتفظ بها على سبيل المفاجأة مع تدشين مرحلة جديدة فى عمر مصر المديد إن شاء الله.

ولا شك أن إعلان الجمهورية الجديدة، ليس مجرد حدث أو إعلان ترويجى مصاحب لعدد من المشروعات التنموية الاقتصادية، والثقافية، الضخمة، لكنه أكبر من ذلك، ولابد له من جانبين مهمين، جانب فلسفى، وأخر تشريعى يكسبه المشروعية القانونية، وفى الجانب الأخير أتصور أن الإعلان عن ميلاد هذه الجمهورية سوف يحتاج إلى شهادة ميلاد، قانونية تتمثل فى “إعلان دستوري” شأن النقلات الكبيرة والمهمة فى التاريخ، والحياة المصرية الحديثة، والمعاصرة.

فى 18 يونيو 1953 صدر الإعلان الدستورى الأول من مجلس قيادة الثورة ، وكان يحتوى على ديباجة تمهيدية مختصرة (فى حدود 220 كلمة) عن فساد فترة حكم أسرة محمد على التى ارتكبت سلسلة من الخيانات فى حق الشعب المصرى (حسب الكلمات الواردة فى نص الإعلان)، وتلا الديباجة أحد أهم القرارات فى تاريخ مصر السياسى فى القرن العشرين، وهو إلغاء الملكية، وإعلان الجمهورية، وجاءت الوثيقة ممهورة بتوقيع أعضاء مجلس قيادة الثورة المكون من 11 عضوا برئاسة لواء أركان حرب محمد نجيب.
وتشاء الأقدار – وبعد 60 عاما تقريبا – أن يصدر إعلانا دستوريا أخر، يستعيد الدولة المصرية، والجمهورية التى اختطفت، وتاريخ صدور هذا الإعلان 8 يوليو 2013 ، وصدر بعد تعطيل العمل بدستور الإخوان على أثر قيام ثورة 30 يونيو 2013 ، وفى التمهيد لكتابة دستور جديد (دستور لجنة الخمسين) الصادر فى يناير 2014.

والمدهش فى الأمر أنه ما لم ينص عليه الإعلان الدستورى الأول لمجلس قيادة الثورة، نص عليه الإعلان الدستورى الأخير الذى صدر خلال الفترة الانتقالية التى تولى فيها الحكم الرئيس المؤقت عدلى منصور، حيث جاء فى المادة الرابعة من هذا الإعلان الدستورى (الصادر في 8 يوليو سنة 2013) الآتى: “المواطنون لدى القانون سواء ، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة ، لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو النوع أو اللغة أو الدين أو العقيدة.. وتكفل الدولة تكافؤ الفرص بين المواطنين”.
هل كانت الدولة المصرية فى هذا الوقت ، وبعد ثورة الشعب، تحتاج أن تذكّر نفسها أن ثمة جماعة تفرز نفسها وتميز أعضائها عن باقى المصريين، لأتها تتصور أنها احتكرت الحقيقة المطلقة، واليقين كله، وبعد أن امتلكت الآخرة، تسعى لامتلاك الدنيا.

كان هذا اعتقادها بينما فى الحقيقة كانت تسعى إلى ترسيخ الاستقطابات الحادة، وتكريس الانقسام والعداوة بين المصريين، وتكاد تدفع بهم إلى شفا حفرة من الحرب الأهلية والمثال سورية، وليبيا ، واليمن.

مرة أخرى سألت نفسى: هل مصر كانت تحتاج هذا النص فى الإعلان الدستورى الأخير.. وكان أحوج به إعلان ثورة 23 يوليو؟!.

لكنى انتبهت أنه حتى التاريخ الذى تم فيه إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية الأولى فى تاريخ مصر المعاصرة، لم يكن زعيم الثورة جمال عبد الناصر قد اتخذ مقعد القيادة لينطلق بقوة جبارة فى إحداث ثورته الاجتماعية ، وهى الثورة الحقيقية التى غيرت وجه التاريخ فى مصر حين تبنت إصلاحات اقتصادية واجتماعية جذرية لصالح المعدمين والفقراء الذين مثلوا أكثر من 90% من قوام هذا الشعب منتصف القرن العشرين، ولم يكن هذا ليحدث إلا بعد التخلص من الحكم الملكي التابع للغرب.

واليوم مجددا سوف نحتاج إلى وثيقة دستورية تكون بمثابة الأرضية التشريعية للجمهورية الجديدة.

وغير الشكل القانونى للإعلان ، تبقى الفلسفة ، ليس بمعنى الإيدلوجية، ولكن أقصد الفكرة التى ستمنح هذه الجمهورية جدتها، وتميزها عما قبلها ، والتى أتصورها كالتالى:

هى التحول إلى دولة عصرية تملك مقومات القوة الشاملة، وتأخذ وضع الاستعداد للقفز إلى مصاف الدول الناهضة ، وتمثل نمرا اقتصاديا جديد  فى المنطقة، ويبقى أن تستكمل الجمهورية الجديدة ، مقومات مشروعها التنموى العملاق بتنمية اجتماعية موازية ترضى الناس وتشعر معها أنها تجنى ثمار  هذه التنمية وهذا النمو فى الجانب الاقتصادى، وبهذا تكتمل الصورة المشرقة التى ننتظرها للجمهورية الجديدة.

اقرأ أيضا للكاتب:

عاطف عبد الغنى يكتب: الثورة (1) الإعلام الخاين والإعلام الخايب

عاطف عبد الغنى يكتب: الثورة (2) مولانا وعبد الناصر والإخوان واليهود

زر الذهاب إلى الأعلى