أمل محمد أمين تكتب: من كان بيده فسيلة فليغرسها

بيان

بعض الذكريات تبقى عالقة في ذهن الإنسان مهما مرت السنين، ومن الأشياء التي لا أنساها أبدا طريق الأشجار في حي مصر الجديدة الممتد من حدائق القبة حتى حديقة الميريلاند، كان عمري ثمان سنوات عندما كنت أذهب أنا وأسرتي لنجلس هناك على العشب ونستمع بنسيم الهواء يمر بين الاشجار الضخمة وكانت زيارة تلك المنطقة الخضراء هي فسحتنا المفضلة نذهب إليها لنشعر بجمال الطبيعة واتساع الأفق.

وحالفني الحظ وعملت قريبا من تلك المنطقة فكنت استمتع بجمال الأشجار طوال فترة عملي ثم انتقلت إلى مكان آخر ولكن ظلت ذكرى الأشجار ترافقني. ثم شاءت الأقدار أن أذهب إلى مصر الجديدة مرة أخرى من بضعة أسابيع لكن الصدمة كبيرة عندما وجدت طريق واسع من الأسفلت لا يوجد به شجرة واحدة!

لوهلة اعتقدت أني ضللت الطريق لكنها كانت الحقيقة لقد تم إزالة كل الأشجار وتوسعة الطريق!

اعترف أن انسيابية حركة السيارات كانت أفضل بكثير لكن لم اعتبر هذا مبررا لمذبحة الأشجار التي حدثت حتى أني شعرت كأن حرارة الطقس ارتفعت في هذه المنطقة التي كانت تعج بالأشجار.

وتوضح جمعية “محبي الاشجار” أن مصر الجديدة فقدت أكثر من 300 ألف شجرة.

وبررت الحكومة الموقف بأن بعض تلك الأشجار يتداخل مع كابلات الكهرباء الموجودة ويتعارض مع التوسعات الجديدة، وشرحت وزيرة البيئة أهمية قطع الأشجار بأن زيادة انسيابية حركة السيارات تقلل من انبعاث العوادم وبالتالي يقل نسبة التلوث ؛ وإنها تواصلت مع الجهة المنفذة لأعمال التطوير ، والتي أكدت أنها تمتلك معدات متطورة تقوم بإزالة أي شجرة في محاور التطوير من جذورها، ثم يعاد زراعتها مرة أخرى، حفاظاً على هذه الأشجار المهمة والمظهر الحضاري.

وفي تصريح أخر وضحت الوزيرة أن هناك حملة قومية للتشجير واستعاضة المردود البيئي للأشجار ، وتستهدف الحملة زراعة مليون شجرة و 2700 فدان حدائق كمرحلة أولى، سعياً لتعويض المردود البيئي للأشجار التي يتم إزالتها سواء نتيجة السلوك الفردي للأشخاص، أو لتنفيذ مشروعات المنفعة العامة للدولة، من خلال زراعة عدد من الأشجار يوازي على الأقل ضعف الأشجار التي يتم إزالتها، على أن يتم إدراج مواقع زراعة تلك الأشجار في مخططات التطوير العمراني والحضاري للمحافظات المختلفة، بما يُسهم في استعاضة المردود البيئي المفقود نتيجة إزالة تلك الأشجار.

ولكن ما فائدة زراعة الاشجار بعيدا عن المناطق السكنية الكثيفة؟ أو خارج المدن الجديدة التي يوجد بها مناطق صناعية وبنيت في أطراف الضواحي في مناطق صحراوية على الأغلب ؟!

من الملفت للانتباه بعض الحقائق المهمة التي أوردتها صفحة حلول للسياسات البديلة وهي أن مؤشر تلوث الهواء يضع القاهرة في المستوى الثاني في العالم (بعد دول منها الصين والهند) من حيث تلوث الهواء بجسيمات PM10 الضارة جدا بالصحة. وسكان القاهرة يتنفسون جسيمات PM2.5 شديدة الخطورة بنسبة تتجاوز المستوى الآمن بـ11.7 مرة.

موقع” دويتشه فيله” تناول الموضوع بأكثر من بعد، والمثير للقلق حسب ما أورد الموقع أن القاهرة تعاني من تلوث هوائي شديد لأسباب عدة منها زيادة عدد السيارات الخاصة التي تسير في شوارع العاصمة والأنشطة الاقتصادية وعدم تجدد الهواء فوق العاصمة بشكل مناسب، ويزيد من تفاقم الأمر عمليات تجريف المساحات الخضراء وقطع الأشجار التي كان يمكن أن تخفف من آثار التلوث إلى حد بعيد وخصوصاً تقليل نسبة ثاني أكسد الكربون في الجو.

وببساطة يمكن للعقل أن يربط بين الزيادة غير الطبيعية لدرجات الحرارة في مصر والتجريف الحادث للبقعة الخضراء على مستوى العاصمة وخارجها، إن هذا الواقع يفرض علينا وبقوة ضرورة العمل بحديث الرسول صلى الله عليه “إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تَقوم حتى يَغرِسَها، فليَغرِسْها”، والمتمعن في الحديث يستطيع أن يستشف محاولة الرسول أن يوضح مدى اهمية وضرورة الزراعة حتى ولو كانت اللحظات الأخيرة للأرض.

وهي دعوة للحياة فالأرض الخضراء هي منبع الحياة والاستمرار وبقاء البشرية التي ستفنى لا محالة إذا استمر إهمال البيئة بهذه الطريقة.

اقرأ أيضا للكاتبة:

أمل محمد أمين تكتب: سبع نصائح للسعادة

أمل محمد أمين تكتب: دائرة الضياع

زر الذهاب إلى الأعلى