«قل شكوتك»: إن فاتك الميري
سلسلة تكتبها: أسماء خليل
“أياليت الشباب يعود يومًا”.. ذلك هو الحال الآن الذي وصل إليه لساني مخاطبًا نفسي، هل يعود الشباب ولا أفعل ما ارتكبته في حق نفسي؟.. أم أن المرء مُسيَّرًا في بضعٍ من سنوات عمره؟.
أعتقد أن ما سبق هو مقدمة مناسبة للمشكلة التي يطرحها “أ.س”، ولم يستطع البوح بها إلا من خلال رسالة عبر البريد الإلكتروني، راجيا أن يجد من يشاركه حل مشكلته.
“أ.س”
عندما دارت بي رحى الدنيا، ومرت كما تمر على العابرين بها؛ وجدت نفسي في ذلك المكان.. زوجًا قد أتممتُ الخامسة والأربعين من سِنِي عمري، وحيدًا وسط الناس، أشعرُ بضجر من كل شيء.
تبدأ مشكلتي حينما كنت شابًّا في مقتبل العمر، أعيش بأحد مراكز محافظات الوجه البحري وقد التحقتُ بكلية الآداب، لأبٍ وأمٍّ يعملان بالتربية والتعليم، واثنين من الأخوة البنين وأخت واحدة، وكنت أنا الأخ الأصغر.
كانت حياتنا كأي أسرة تتمنى لسفينة الحياة أن تسير وسط أعتى الأمواج، ولم أعلم حينها إذا كان حرص أبويا على كل شيء بالحياة يرتكز على أسس نفسية صحيحة أم لا ؟!.
كان أبي حريصًا حد البخل، وكذلك أمي، ولم أدقق هل تلك الصفة لطبع لها أم للتطبع مع أبي، ولكن انعكس ذلك على كل جوانب حياتنا، ولكني كنت أقدم لهما الأعذار؛ فكيف تسير دفة الحياة بأسرة مكونة من ستة أفراد دونما حرص؟!.
سارت مركبنا، ولكنها توقفت عندي، فقد أصر والديَّ كل الإصرار، على تزويج كل أخوتي من “موظفين”، مهما كلف ذلك من إرهاق مادي أو معنوي، فقد كانت نظرتهما للأمور مادية بحتة، ولديهما يقين أن المال هو السند الوحيد في الدنيا بعد عون الله – سبحانه وتعالى – ولكم تناقشتُ معهما أن ينثنيا عن ذلك الفِكر، ولكن دون جدوى!.
وجدت أخوتي على اقتناع تام بديدن أبي وأمي، وقد وافق الواحد تلو الآخر بالزواج من موظفة، ولمزيد من التوضيح، من تختارها أمي معها بالمدرسة، أو ملتحقة بأي وظيفة أخرى، وليس مهمًا الحيثيات الأخرى، في كون الفتاة تكبر أخي، أو ليس بينهما أي توافق فكري، أو أقل جمالا مما كان يتمنى، وكذلك أختى تمهَّل أبي في زواجها حتى أتى لها بمن أراد.
إلى أن جاء دوري في ذلك السباق، وريثما تعينتُ مُعلِّمًا بأحد المدارس، عرضت عليّ أمي مُعلمة معها تترأسها كمديرة، وفي تلك الأثناء، بينما أنا واقفٌ بالشرفة، إذ وجدتُ جيرانًا جدد يسكنون أمامنا، ولم أرَ سوى فتاة آية بالجمال والرقة أخذت قلبي، وسرعان ما دخلَت حجرتها خجلًا حينما لاحظت أنني أنظر إليها، لا أعرف في ذاك السن إلا أنني كنت مجذوبًا لتلك الفتاة.
وتربعَت على عرش قلبي حينما علمتُ أنها بالجامعة، وأن ظروفها مناسبة تمامًا معي وأنها بالفرقة الرابعة بالجامعة، وما لبثت أحكي لأبي أو أمي، إلا ووجدتُ صفعاتٍ من اللوم والنقد، مفادها أنهما من يعرفا مصلحتي، وأن كل ما جال بخاطري أوهام، وكذلك الارتياح والحب يأتيا بعد الزواج، وانتهت النقاشات التي استمرت شهرًا كاملًا، بتهديد ووعيد أبويَّ بالتنصل مني كابن حتى يوم القيامة إذا لم استمع لأوامرهما.
ذهبنا لمقابلة أسرة العروسة الموظفة، لم أجد استحسانًا حين رؤيتها، وكانت تكبرني بعامين، بالإضافة إلا أنه بدا عليها غلظة بالطبع، وحينما ذكرت ذلك لأبي وأمي، أنكرا ما أشعر به، وقالا باستهجان: “كل دا شوفته في مقابلة واحدة؟!”
مرت السنوات ورحل أبي وأمي، ولم ترحل أحزاني، زوجة تمرر عيشتي، غليظة الطبع، لا تمتلك أي قدر من الأنوثة، أو لا تعلم كيف تدير أنوثتها كما تدير النقاش بين طلابها في الفصل، الأهم أن لديها راتب شهري وتشارك في المصروف المنزلي، حاولتُ معها مرارًا وتكرارًا أن تتفهم معنى الحياة الزوجية، ولكنها كانت تأبى عن قصد، وقيَّد ارتباطنا فتاتان، تحملتُ الهوان لأجلهما، إلى أن تزوجتا الاثنتان.
كنتُ قد أخذتُ عهدًا على نفسي؛ بأن أطلقها وأتخلص من تلك الحياة الصعبة التي تجمعني بها فور زواج ابنتي، ولكنها كانت من الدهاء لفهم ذلك، فوجدتها تحاول التقرب مني وإرضائي، ولكن متى؟!.. بعدما سكن قلبي الكره والنقمة عليها، لم يعد لها مكانًا بقلبي، تحملتُ كثيرًا حتى فاض الكيل.
حينما علمت أختي بما أنتوي، أخبرت أخوتي وتوسلوا لي جميعًا ألا أكسر بخاطر ابنتيَّ، وهل لابد أن يكون الثمن أن أكسر بخاطري أنا؟!.. لماذا أظل مضحيا طوال العمر؟!.. ربما في العمر بقية لأن أبدأ حياة جديدة.. هل أنا مخطئ أم مُصيب؟!.. خبروني بالله عليكم؟!.
الحل
عزيزي “أ.س” كان الله بالعون..
لاشك أن مشكلتك لها العديد من الأبعاد؛ فأما البعد الأول وهو الخاص بوالديك، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ وإذا تبادر إلى ذهنك سؤال، أوهناك معصية للخالق في الزواج من إنسانة لا أرغب بها؟!.. أجيبُكَ: نعم سيدي؛ حيث أن المرء إذا عاشر من يبغضه فسوف لا يستطيع عبادة الله – سبحانه وتعالى- حق عبادته، فسوء النفسية يجعل الإنسان محبطا، كما يؤثر ذلك على عمله؛ والعمل عبادة، إذن هناك معصية فلم يكن عليك أن تطيع والديك في معصية الله تعالى.
أما البعد الثاني، فأنت كنت أمام أمر واقع، وتزوجت وكان بها، وقدمت لله قربانًا بطاعتك لأبيك وأمك، فلا بأس، ولكن كان ينبغي عليك حسن إدارة الحياة الزوجية، فحينما وجدت من زوجتك التمرد، وأنتم ما تزالون حينها في ربيع العمر، فكان عليك أن تعلمها بالواقع، بدلا عدم المواجهة، فقد كان ينبغي أن تقوم بإيضاح الأمور لها، وتجعلها تطلع على حقوق الزوج في الإسلام، فقد قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( لَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ , لأَمَرْت النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لأَزْوَاجِهِنَّ ; لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وكذلك كان عليك أن تعلمها بأن ذلك الصبر والعفو، لا يعني الذل والضعف، والفرق بينهما كبير، وكان عليك اتخاذ موقفًا حازمًا منذ بداية حياتكما الزوجية.
فهناك بعض الزوجات، لا تعرف قيمة زوجها إلا إذا تأكدت من قدرته على طلاقها والاستغناء عنها، وأنه على استعداد لمقابلة صنيعها بأسوأ؛ فسكوته ليس لأنه عاجز أو ضعيف، وليس معنى تحليه بقدرة الصبر، أنه ليس بشرًا، فطيبتك وكرم خلقك معها، جعلها تطمع في ذوقك وأخلاقك.
وأما البعد الثالث، فهو مشروعية الطلاق، نعم يجوز لك الآن أن تفارق زوجتك بمعروف، ولكن قرار الطلاق يتم حسمه بمدى ما يُخلفه من أضرار وخسائر، فإلى أي حد ستكون أسرتك هي الخاسر في سباق الحياة؟!.
واعلم أن الصبر من سمات أولياء الله، وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا، إذا أرجعت الأمور لله؛ ستجد أنك تؤجر، وعليك أن تصبر وتحتسب وتنتظر فرج الله تعالى.