رفعت رشاد يكتب: الرئيس السيسي.. الاختيار بموضوعية
هذا مقال عن الانتخابات، أو الاختيارات، الرئاسية القادمة، يحاول فيه الكاتب الكبير رفعت رشاد أن يتناول الموضوع “الصعب” بأكبر قدر من الموضوعية، بداية من العنوان، وفى التفاصيل، المقال منشور فى صحيفة “الوطن” وهذا نصه:
عندما تدخل لجنة الاقتراع فى الانتخابات الرئاسية القادمة، صفِّ ذهنك مما يدور خارج اللجنة.. ضع نُصب عينيك مصالح الوطن ومصالحك. هى علامة تخطها بقلم على ورقة الاقتراع، لكنها ليست كأى علامة، هى تجسيد لإرادتك وتحديد لانحيازك وإسهامك فى رسم المستقبل، هى مشاركتك فى قرارات قادمة، قرارات تحدد مصير الأمة والوطن والأجيال التى لم تولد بعد.
انتخاب رئيس البلاد ليس مسألة يُستهان بها، بل هى على أكبر قدر من الأهمية، فالدولة هى مصر، أقدم الدول فى التاريخ وأعظمها حضارة. لا تندفع فى اختياراتك العاطفية، ولا تخضع لضغط اللحظة، فالاندفاع يكلف الوطن الكثير.
بعدما أُعلن فوز الدكتور محمد مرسى بمنصب رئيس الجمهورية أُحبطت غالبية الشعب المصرى لاختيار مرشح إخوانى. وبعد قليل أدرك الناس أن مرسى ليس ممثلاً للشعب وإنما ممثل للجماعة ونائب عنها فى مقعد الحكم.
قادت نخبة مضللة نسبة من الناس إلى هذا الاختيار بمبرر «لماذا لا نجرب حكم الإخوان؟.. لا بد أن نعطيهم فرصة.. على الأقل سيكون الإخوان أفضل من رجال مبارك». تدفقت الملايين من الجنيهات والعملات المختلفة لدعم مرشح الإخوان من بين 13 مرشحاً، وانطلقت الدعاية بشعار «نحمل الخير لمصر».. حملت الدعاية بين طياتها رسالة إلى جموع الشعب: «لو لم يفُز مرشح الإخوان ستغرق البلاد فى بحور من الدم».. واستمرت الرسالة إلى ما بعد انتهاء الانتخابات.. وكانت واضحة أمام المجلس العسكرى.
خلال عام حكم الإخوان (2012 – 2013) بدأت الصورة تتضح. إقصاء كل من لا ينتمى للجماعة. قصْر المناصب فى كل المستويات على أعضاء الجماعة وأسرهم وأقاربهم. تم تغيير قيادات الإعلام بشقَّيه المرئى والمطبوع وتعيين قيادات إخوانية أو ذات هوى وميل إخوانى. بدأ التدخل لتعيين أبناء الإخوانيين فى سلك القضاء والخارجية من خلال حصص، وكذلك إلحاقهم بالكلية الحربية وكلية الشرطة وكل الجهات السيادية.
تجسَّد انطباع عام عن عجز جهاز الحكم، بدءاً من الرئاسة إلى المواقع الأصغر، عن إدارة دفة الحياة فى البلاد. تسلل الإرهابيون وهرب المساجين واتجهت الدولة إلى عملية أخونة سريعة وعميقة. غادر البلاد العديد من المواطنين وأسرهم فراراً مما يحدث ومن المصير المنتظر، وأعد الباقون العدّة للحاق بمن غادروا.
بعد أحداث 25 يناير 2011 صار الشعب المصرى بكامله يتابع ويفهم علم السياسة. حاصرت القنوات التليفزيونية العديدة الناس فى كل وقت وكل مكان على مدى 24 ساعة يومياً، وقدمت للمشاهدين كل «فتفوتة» سياسة تحدث فى الداخل أو الخارج.
أدرك الناس أن يقظتهم لا بد أن تستمر وأنهم جربوا حكم جماعات الدين الذين لم يقدروا على كسب ثقتهم وإقناعهم بجدارتهم فى الحكم.أقال الإخوان وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش وتم تعيين الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزيراً للدفاع وقائداً عاماً للقوات المسلحة. يعلم «السيسى»، بحكم مناصبه التى تولاها ومنها المخابرات الحربية، من المعلومات ما لا يعلمه آخر، لذلك نبَّه وحذَّر وقدَّم خريطة إنقاذ، ولكن أحداً لم يستجب.
كان الإخوان مستغرقين فى أبهة وفخامة الحكم وتفرّغ بعضهم من رجال الأعمال لجنى سريع للأموال والسيطرة على الأسواق ومد أذرع الاحتكار إلى السلع المهمة.فقدَ شعارهم «نحمل الخير لمصر» مضمونه ومعناه، وانطلقوا للهيمنة على كل شىء. فى ذلك الوقت كان الناس قد عرفوا السيسى.
وجدوا فيه الشخصية القوية.. البطل المهاب. المصريون يحبون الأقوياء.. لا يقبلون بالحاكم الضعيف الذى يمكن للبعض أن يتجرأ عليه أو يسخر منه كما حدث مع الدكتور مرسى الذى لم يمنحهم صورة ذهنية للزعيم القوى. يؤمن المصريون بمثلهم الشعبى المتجذر «نص الحكم هيبة».عندما طلب «السيسى» من الشعب تفويضاً فى يونيو 2013 انتثر وانتشر ملايين المواطنين بأسرهم فى الشوارع فى كل البلاد.
خرجوا دون خوف رغم وجود الإخوان فى الحكم. كانوا توصلوا إلى رأى وقرار بالتخلص من حكم الإخوان. عندما طلب منهم السيسى التفويض وجدوا فيه المنقذ. أدركوا أن لديه القدرة على إيجاد الحلول وحسن التصرف وتخطى العوائق.. فهذه مسئولية من يتصدى للقضايا الكبيرة. كما أن الشعب المصرى لجأ، كعادته فى كل ما يمر به من محن، إلى جيشه الذى لم يخذله أبداً.
أدرك الشعب أن السيسى قائد قادر، لم يرشح نفسه للرئاسة وقتها، لكن جربوه فى عملية فض اعتصام ميدان رابعة العدوية بمدينة نصر الذى طال شهوراً، ورغم الضغط الشعبى المطالب بفض الاعتصام بسرعة فإن السيسى الذى يتمتع بالثبات الانفعالى وضبط الأعصاب نفذ قرار فض الاعتصام بناء على ما رآه وبعدما خطط لكل التفاصيل وأنهى المسألة من جذورها.
موقف آخر رأى فيه الشعب أن الرئيس السيسى «ريس مش سهل».. عندما نُحر عدد من أبنائنا الأقباط فى ليبيا فى مشهد روّع نفوس شعبنا. كان الرأى العام غاضباً تملأه الرغبة العاصفة للانتقام، لكن السيسى قال إن الثأر سيكون فى وقت أراه مناسباً. أثار كلامه حزن الناس، واعتقدوا أنه يقول ذلك للتهدئة وربما لا يفعل شيئاً. لكن استيقظ المصريون على ضربة جوية موجعة لمواقع الإرهابيين ثأرت لدماء أبنائنا وشفت غليل شعبنا. وترسّخ لدى الناس أن السيسى «ريس مش سهل».
ولا ينسى الناس مشهد السيسى على مدى ساعات يستمع إلى خطاب الدكتور مرسى بينما لا تبدر منه أى انفعالات، وهو ما وصفه علماء النفس بملامح رجل المخابرات المحترف الذى لا يعرف خصمه ما يدور فى ذهنه.
عندما حان الوقت أعلن «السيسى»: «بكل التواضع أتقدم معلناً اعتزامى الترشح لرئاسة جمهورية مصر العربية، وترشحى لا يحجب حق الغير فى الترشح، فذلك حق لكل من يريد تحمُّل المسئولية». ونظر الشعب للسيسى بأغلبية مجتمعية ترى ضرورة التوحد لتحقيق الاستقرار والأمان وحتى يمكن تجاوز الصعوبات التى يعانى منها أفراد الشعب. وانتخب الشعب السيسى رئيساً، فقدّم ونفّذ رؤيته لمصر جديدة.
وبعد أسابيع من الآن تجرى انتخابات رئاسة الجمهورية، وسوف يرشح بعض المواطنين أنفسهم، ولهم التقدير والاحترام، ولا نقلل من شأنهم، لأن الترشيح لمنصب رئيس مصر له الوقار والتبجيل. وأعود معك إلى لجنة الاقتراع فى الانتخابات الرئاسية: لا تنتخب السيسى لكى ترد له الجميل لأنه فى لحظة حاسمة وضع رأسه على يده وأنقذ البلاد من مصير سيئ، ولا لكى تمنحه مكافأة على ما قام به فهو جندى فى الأصل وقام بدوره بعدما استشعر الخطر على الوطن.
إنما انتخب السيسى بناء على الموضوعية وعلى ما قدّمه فى فترة رئاسته التى ستنتهى. ضع أمامك مستقبلك ومستقبل أولادك وقيّم الشخصية التى يمكن أن تقود البلاد وترسو بها على بر الأمان.