عاطف عبد الغنى يكتب: « ذات »
بيان
ليست هناك حدوتة بالمعنى التقليدى.. ولكن سرد شبه توثيقى لأحداث مصر خلال الـ60 عاما ، والرقم يمثل عمر بطلة الرواية “ذات” عند نهاية الأحداث، والرواية للكاتب الكبير صنع الله إبراهيم، ويرصد من خلالها الأحداث، والتحولات التى جرت على المجتمع المصرى، بين ثورتين الأولى ثورة 23 يوليو 1952 تاريخ ميلاد ذات بطلة روايته، وعلى بطلة روايته، وحتى ثورة 25 يناير 2011.
“ذات” هى نفسها المعادل الموضوعى لمصر، وما مر بها من أحداث. والرواية تحولت إلى مسلسل عنوانه “حكاية بنت اسمها ذات”، وكان صنع الله إبراهيم قد عمل فى روايته على توثيق الأحداث الحقيقية والحوادث الجسام التى مرت بالوطن خلال النصف قرن الأخير، من خلال تصوير قصاصات الجرائد التى تحمل عناوين الأخبار، ونشر صورها فى روايته، وكأنه “جبرتى” العصر الحديث.
وبالتواز تمضى الأحداث بـ “ذات” وأسرتها وجيرانها، وأصدقائها تعكس صراعات المجتمع وخاصة الطبقة المتوسطة عصب الحياة المصرية، وعلى الهامش يدور صراع الطبقات، وظهور وصعود طبقة الانتهازيين والمفسدين، التى تخمرت خلال حقبة السبعينيات مع الانفتاح، وتغولت وتوحشت فى التسعينيات والعشرية الأولى من الألفية الثالثة مع زواج رأس المال بالسلطة، ترصد أيضا المسلسل الذى ترجم الرواية، انكسارات وانتصارات المصريين ، وشوقهم الدائم لتحقيق أحلامهم المجهضة، وسفرهم وغربتهم فى بلاد الله، وحتى انكسار أحلام القومية العربية، مع غزو العراق للكويت، والتأثر بالغرب وهجمته الشرسة على بلاد العرب فى أعقاب أحداث 9/11 التى ضربت أمريكا وأصابت رمز كبرياءها.
كنت قد قرأت الرواية لكنى لم أتابع المسلسل إلا فى أحدث مرات عرضه التى انتهت قبل أيام قليلة، وتقييمى للعمل الدرامى على مستوى الصنعة، أنه كان يمكن أن يكون أكثر جودة، لكنه ليس سيئا، أما الأحداث التى تناولها فكانت أكثر جرأة من كل ما تعودنا عليه من أعمال هابطة المستوى، والتى أفسدت ذائقة المشاهدين.
كما أن الرواية والمسلسل بالتبعية ، لم يتبنيا وجهة نظر أحادية سواء تجاه الأحداث أو الشخصيات أو الأيدلوجيات، وأن انتصر إلى حد ما للإشتراكيين والناصريين وقدمهما أنقياء من غير سؤ، تأثرا بالحقب الزمنية التى شهدت الانفتاح وما بعده وما حدث فيه من فساد.
كلمة أخيرة وهى أننا نحتاج كثيرا إلى مثل هذه الأعمال التى لا تعمل على حدوتة خائبة ودغدغة مشاعر المشاهد أو إثارة غرائزه، ودرس “ذات” يتلخص فى أنه شغل عقل المشاهد ، وطهر وجدانه، وهذه هى وظيفة الدراما، وبصيغة أخرى أنها تحدث عملية تطهير للمشاهد حين تعكس القيم الإنسانية النبيلة فى صورة واقعية.
