علاقة العرب بأمريكا بعد “الطوفان” !

 

 

 

تقرير: أشرف التهامي

مع بدء عملية “طوفان الأقصى” وفي وقتٍ مبكر من يوم العملية 2023/10/7، هاتف جو بايدن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي مدينًا الهجوم الذي شنته حماس، ومُعربًا على دعمه الثابت لإسرائيل.

ووجه بايدن عبر هاتفه تحذيرات إلى “أطراف ثالثة” من التدخل في الحرب لاستحصال مكاسب منها. في هذه الأثناء، ثمّ بعدها توالت البيانات، والمؤتمرات الصحفية، والتحركات السياسية والدبلوماسية لإدانة ما وصفته بـ “الهجوم الإرهابي من حركة حماس الإرهابية” حسب قوله.
كما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أن حاملة الطائرات الأمريكية “يو إس إس جيرالد آر فورد” وصلت إلى شرق البحر المتوسط. كما أعلنت أن معدات عسكرية وصلت إلى إسرائيل بالفعل.
ومع تصاعد حدة المواجهات المسلحة بين إسرائيل وحركة حماس، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية في اتخاذ خطوات إجرائية لتعزيز الدعم العسكري للأولى، بالتوازي مع إلقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن كلمة، في 10 أكتوبر الجاري (2023)، أكد فيها استمرار هذا الدعم.
جاء هذا في الوقت الذي أكد فيه البيت الأبيض مقتل 11 أميركيا حتى الآن، مع توقع باحتجاز الجناح العسكري لحركة حماس كتائب الشهيد عز الدين القسام عددا آخر من الأميركيين.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي إن “واشنطن ليست لديها أي نية لنشر قوات عسكرية على الأرض في أعقاب الهجمات التي شنتها حركة حماس على إسرائيل، لكنها ستحمي المصالح الأميركية في المنطقة.

تحقيق المصالح

وبما أن السياسات الخارجية للدول ذات النفوذ تنحصر في تحقيق مصالحها القومية الاقتصادية والأمنية والتي يتم تسويقها في كثير من الأحيان تحت غطاء من القيم. في المقابل، تسعى الدول المخترقة إلى استجداء الشرعية الدولية عبر صياغة مصالحها القومية بما يتماشى مع مصالح الدول الكبرى، وبما يضمن حماية أنظمتها على حساب المصالح الحقيقية لمواطنيها.

والعلاقات الأمريكية مع دول منطقة الشرق الأوسط هي مثال صارخ للواقعية السياسية التي تحكمها المصالح القومية للطرف الأقوى، بغض النظر عما يترتب على ذلك من فوضى وغليان شعبي وكثير من الضحايا المدنيين.

إن توقيع اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ليست من ضمن أولويات الولايات المتحدة الأمريكية.

تلبية للرغبة الإسرائيلية

وبالعودة إلى تاريخ التفاوض العربي – الإسرائيلي، يمكن الجزم بأن دعوات أمريكا إلى مفاوضات سلام كانت تلبية للرغبة الإسرائيلية أو كردة فعل لعوامل خارجية، بحيث لم تخرج المقترحات الأمريكية عادة عما يراه الإسرائيلي ممكنا.

بالإضافة لما سبق، فإن الولايات المتحدة تقدم دعما ماليا للسلطة الفلسطينية يستخدم غالبا كعصى من أجل خدمة الطرف الإسرائيلي، مما يفاقم الاعتماد الفلسطيني على الخارج ومن ثم يؤدي إلى ضعف القدرة الفلسطينية على صياغة قرارات سياسية تخدم المصالح القومية في مواجهة التطرف الإسرائيلي المتصاعد.

ويبدو ذلك جليا في حجم التنازلات التي كشفت عنها الأوراق المسربة من مكتب الدكتور صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين، في 2011.

وعلى الصعيد العربي الرسمي، فإن القضية الفلسطينية لم تعد أولوية سياسية، وأصبح التقارب العلني أو غير العلني مع إسرائيل أمرا ضروريا يمليه – حسب صانع القرار العربي والإسرائيلي – التمدد الإيراني في المنطقة.

ويُفقد هذا التقارب العربي – الإسرائيلي الآخذ في التصاعد الجانبَ الفلسطيني الدعمَ العربي، مما يتيح لإسرائيل مزيدا من القدرة على تحديد سقف طموحات الجانب الفلسطيني، وتبعا لذلك، أصبحت إسرائيل قادرة على إدارة الملف الفلسطيني دون الكثير من التدخل من قبل الإدارة الأمريكية.

أمريكا والصراع الطائفي في الشرق الأوسط.

ويذهب البعض إلى أن الولايات المتحدة لا تكترث بالصراع الطائفي في الشرق الأوسط، وبذلك لديها استعداد للاصطفاف مع من يساهم في تحقيق مصالحها.

فيما يذهب آخرون إلى أبعد من ذلك، بالقول بإن الولايات المتحدة هي من أذكت الصراع الطائفي في العراق بعد احتلاله عام 2003، وواصلت التحالف مع حكومات مارست الطائفية على الأرض.

وأيا ما يكون الأمر، فإن الولايات المتحدة لا ترى الصراع الطائفي مهددا لمصالحها بقدر ما هو إضعاف للمنطقة برمتها، ومن ثم يعتبر مساهمة مجانية من أنظمة وشعوب المنطقة في تحقيق المصالح الأمريكية بأثمان أقل، لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة لن تسمح بانتصار طرف على آخر، لأن ذلك سينتج عنه قوة “عظمى” إقليمية سيصبح من الصعب اختراقها سياسيا مما قد يهدد مصالح الولايات المتحدة.

المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.

ويمكننا حصر المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط بشكل رئيسي في الآتى:
1- حماية مصادر الطاقة:
وفى هذا الصدد أدت أزمة النفط الأولى عام 1973 (أكتوبر 1973 – مارس 1974) إلى رفع قيمة النفط الخام من 3 دولارات إلى 12 دولار للبرميل، وتم حظر تصدير النفط العربي إلى خمسة دول على رأسها الولايات المتحدة بسبب إمدادها لإسرائيل بالسلاح أثناء حرب أكتوبر 1973.

ومنذ ذلك الحين، دأبت السياسة الخارجية الأمريكية على تحييد النفط كسلاح قد يستخدم ضدها، على الرغم من أن الاعتماد الأمريكي على النفط العربي قد بدأ في الانحسار.

كما أن أزمة النفط الثانية التي واكبت الثورة الإيرانية عام 1979 رسخت قناعة لدى صانع القرار الأمريكي بأن أي اضطراب خارج عن السيطرة في أي دولة رئيسية من الدول المصدرة للنفط ستكون له نتائج سلبية على الاقتصاد العالمي، وبالتالي سيتأثر الاقتصاد الأمريكي سلبا.

ولذلك فإن القوات العسكرية الأمريكية المتمركزة برا وبحرا في منطقة الخليج لن تتوانى عن التدخل العسكري ضد أي دولة أو جماعة تحاول إعاقة تدفق النفط إلى الدول المستهلكة.

وبالتبعية فإن إيران لا تحاول استثارة الولايات المتحدة، وإن كانت تطمح إلى استخدام موقعها الجغرافي المؤثر على تدفق النفط عبر مضيق هرمز كرد على استخدام النفط كسلاح سياسي من قبل المملكة العربية السعودية.

لكن تبقى هذه الحرب البينية عديمة التأثير السلبي على مصالح الولايات المتحدة ما دام الإمداد النفطي مستمرا.

في المقابل، فإنه من غير المرجع أن تستخدم دول الشرق الأوسط النفط كسلاح ضد الولايات المتحدة، كما حدث في سبعينيات القرن الماضي، وذلك لأن هذه الدول تعتمد على النفط كمصدر رئيسي لميزانياتها، وأي منع لتصدير النفط سيؤدي إلى تآكل الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى هذه الدول، ومن ثم التسبب بأزمات اقتصادية قد تؤدي إلى تغيير سياسي.

وبناء عليه فإن الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط يحمي التدفق النفطي في حالات خارجة عن الحسبان، وخارجة أيضا عن إرادة الأنظمة الحاكمة، أو في حال تطور الحرب بين دول المنطقة إلى مواجهات مباشرة.
2- حماية أمن إسرائيل:
يسوّق الإعلام الأمريكي أمن إسرائيل على أنه أولوية أمريكية في الشرق الأوسط بدعوى أنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة وبسبب التشابه الثقافي والاجتماعي بين الدولتين.

وخلافا لما سبق يعتقد البعض أن حفظ أمن إسرائيل لا يمثل مصلحة أمريكية خالصة بقدر ما هو رضوخ سياسي من قبل الإدارة الأمريكية لجماعات الضغط الموالية لإسرائيل التى تربطها علاقات قوية مع جماعات الضغط الصهيونية والمسيحية المتطرفة وشخصيات مؤثرة في عملية صنع القرار الأمريكية، مما جعل أمنها أولوية أمريكية.

لذلك يتنافس مرشحو الرئاسة الأمريكية في طلب ود إسرائيل، والتركيز على أن أمنها هو أولوية أمريكية غير قابلة للنقاش.

كما أن جماعات الضغط الداعمة لإسرائيل تحرف بوصلة السياسة الخارجية الأمريكية، مما لا يتماشى مع مصلحة الولايات المتحدة ولا يخدم إسرائيل على المدى الطويل.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الموقف الأمريكي من إسرائيل سيبقى ثابتا إن لم يحدث تغيير حقيقي في النظام البنيوي السياسي الأمريكي أو في توازنات القوى على المستوى الدولي.

وإسرائيل وتبعا للعلاقة الجيدة التي كانت تربطها بمعظم الدول المؤثرة في المنطقة قبل طوفان الأقصى كانت تبدو بعيدة كل البعد عن خطر وجودي يستلزم تدخلا أمريكيا كما حدث عام 1973.

لكن إسرائيل بعد الطوفان أصبحت مهددة من قبل جيرانها ، فاستوجب الدعم الأمريكي لها من أجل تعزيز موقف داعميها داخل الولايات المتحدة وأوروبا.
3. مكافحة الإرهاب وردع إيران:
ترتكز السياسة الخارجية الواقعية للولايات المتحدة على إيجاد عدو خارجي، يتم المبالغة في توصيف خطره، ويُستخدم كمسوغ لتوحيد المجتمع الأمريكي.

وتبعا أيضا لما سبق يتم تبنى سياسات داخلية وخارجية ما كانت لتمرر لولا وجود هذا العدو.

ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي، تعتبر منطقة الشرق الأوسط حسب المنظور الأمريكي مصدرا لمعظم الحركات المسلحة التي تدعو إلى استهداف المصالح الأمريكية.

وفي المقابل، ولأن طبيعة العلاقات ترسمها المصالح، لا توجد أية مشكلة لدى الولايات المتحدة في التقارب مع إيران وفقا لموقف إيران من المصالح الأمريكية في المنطقة، وضمن حدود استمرار التوازن بين التحالف الشيعي والتحالف السني دون غلبة لأحدهما، والتي قد تؤدي إلى ظهور قوة “عظمى” إقليمية يصعب التحكم بسياساتها الخارجية، كما أسلفنا.

الخلاصة:

والآن بالنظر لما حدث من سلوك إسرائيلى إجرامى فأن الشارع العربي لن يدعم التطبيع أبداً بعد الحرب الواسعة النطاق والانتهاكات والمجازر بحق الابرياء الفلسطينيين ودمار غزة.
كما أن إيران والمقاومة قد تتجرأ على تصعيد “حرب الظل” مع إسرائيل بعد أن رأت الوجه الحقيقي الهش للجيش الإسرائيلي عكس ما كان يروج أنه جيش لا يقهر.

وقد تستخدم إيران وكلاءها الإقليميين بشكل أكبر لاستهداف المصالح الأمريكية في المنطقة، فهناك تهدّيد جدي ومؤكد من زعماء بارزون وقادة جماعات مسلحة متحالفة مع إيران في العراق واليمن باستهداف المصالح الأمريكية، إذا تدخلت واشنطن لدعم إسرائيل في صراعها مع حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في غزة .
واحتمال وقوع هجمات مدمرة على القوات الأمريكية المتمركزة في الشرق الأوسط من إيران والمقاومة الإسلامية مع تصاعد الصراع بين الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية” كبير جدا.
ولابد من كافة القوى المقاومة بالشرق الأوسط أن تردع الولايات المتحدة الأمريكية، وتلفنها درسا قاسيا لا تنساه بالمستقبل ، وقوام هذا الدرس أن الشرق الأوسط لم يعد كما كان، وأن الولايات المتحدة الأمريكية لم يعد لها مكان فيه، وأن عصر الهيمنة والسيطرة وابتزاز استنفاذ شعوبنا قد ولى دون رجعة.

اقرأ أيضا:

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى