دكتور هاني الجمل يكتب: ما بعد الهدنة في غزة

بيان

ماذا بعد توقيع هدنة مؤقتة بين حركة حماس وإسرائيل بوساطة مصرية قطرية أميركية، ومن المستفيد والخاسر من هذه الخطوة، وما هو مستقبل قطاع غزة بعد الحرب التي بدأت بين الجانبين في 7 أكتوبر الماضي.
لا شك أن الهدنة المؤقتة – التي تقضي بوقف القتال 4 أيام، للسماح بإطلاق سراح 50 رهينة محتجزة في غزة بينهم نساء وأطفال، مقابل الإفراج عن 150 فلسطينياً في السجون الإسرائيلية، ودخول مساعدات إنسانية تضم مئات الشاحنات من المساعدات الإنسانية والطبية والوقود إلى قطاع غزة، – هي خطوة في الطريق الصحيح ولابد أن يتبعها خطوات أخرى حتى يتحقق السلام المطلوب.
ومن الواضح أن كل طرف يحاول تسويق الهدنة لصالحه، حيث يرى الجانب الفلسطيني أن حماس أجبرت إسرائيل على القبول بشروطها والتفاوض، في وقت كانت تصر على رفض الهدنة، بعد أن عانى جيشها من خسائر كبيرة في العدد والعتاد، وأخفق في تحرير الرهائن مع ازدياد الغضب الدولي من ممارساته في قطاع غزة. كما يرى الجانب الفلسطيني أن حماس ستستفيد بصورة كبيرة من تأمين مصادر للوقود والأدوية والأغذية، وتأمين نقل الجرحى من المعارك وأماكن القصف، والاستعداد لأرض جديدة للمعارك، لأن الحركة ومعها الفصائل تدرك أن الهدنة مؤقتة والجيش الإسرائيلي يريد أن يتدارك خسائره ويعدّل خططه، بعدما أخفق الحصار البري في أن يسفر عن تقدم ملحوظ.
أمّا إسرائيل فترى أنها استطاعت تدمير البنية التحتية لحركة حماس على الأقل في شمال غزة وستواصل خطتها في الجنوب بعد انتهاء الهدن المتفق عليها. وبغض النظر عن مكاسب وخسائر الطرفين ، فإن بعض المحللين يرى أن الطرفين مستفيدان من الهدنة وخاسران في نفس الوقت من الحرب، لأنه لا رابح من القتال.
وفي الوقت الذي يترقب فيه الجميع كيفية تنفيذ الهدنة الأولى، تواصل اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية جولتها على عواصم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي لبحث سبل وقف الحرب التي تشنها إسرائيل ضد قطاع غزة.
ولعل السؤال الأهم الآن هو ماذا بعد الهدنة – التي جاءت بعد 46 يوماً من القصف الإسرائيلي المتوحش لغزة – إذا كتب لها النجاح واحترم الطرفان بنودها؟
بعض المراقبين يرى أن هناك مخاوف من أن تكون هدنة الأيام الأربعة مجرد توقف وقتي للأعمال الحربية تعود بعدها الأمور إلى ما كانت عليه من تصعيد إسرائيلي، الأمر الذي يعني مزيداً من الضحايا والدمار والتهجير. ويعزز تلك الرؤية تصريحات القادة الإسرائيليين التي أكّدوا خلالها أن العمليات الحربية سوف تستأنف وبقوة بعد الهدنة، وعدم تحقيق الهدف الرئيسي الذي وضعوه وهو القضاء على حركة حماس، إلى جانب الدعم الأمريكي المستمر لإسرائيل والخوف من تصاعد الدعم الشعبي الغربي للفلسطينيين، الأمر الذي يحتم الإسراع في إنجاز الأهداف التي وضعوها.
وبغض النظر عن المستفيد الحقيقي من الهدن التي ستأتي تباعاً، فإن الأهم هو عودة القضية الفلسطينية لتتصدر دائرة الاهتمام الدولي، وضرورة تفعيل المسار السياسي للوصول إلى حل الدولتين، وهو ما تحاول اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية الإسلامية اقناع العالم بأهمية تحقيقه.
وفي هذا الإطار يرى الكثير من المراقبين أن هناك ما يشبه الاجماع الدولي على ضرورة الحل السامي من خلال قيام الدولتين، وهو أمر يصعب تحقيقه إذا لم تقتنع الإدارة الامريكية به خاصة مع انغماسها المتوقع بعد عدة أشهر بالانتخابات الرئاسية المقبلة.
وفي السياق ذاته يرى كثير من المحللين المهمومين بالشأن الفلسطيني باعتباره شأناً عربياً واسلامياً، أن القضية الفلسطينية عادت لتقتحم الشارع العربي الذي اكتشف الوجه القبيح للسلام العاجز، وأهمية توظيف مقدرات أمتنا العربية لخدمة هذه القضية، وفي مقدمتها سلاح النفط إذا لم يتوقف الدعم الأمريكي والأوروبي لإسرائيل.
خلاصة القول.. سواء اتفقنا أو اختلفنا مع تلك الرؤية، فإن تحقيقها يتطلب إرادة عربية حرة ترفض الاملاءات والضغوط، وقبلها عودة الوحدة للشعب الفلسطيني وتنظيم بيتهم من الداخل، وانضمام القطاع للضفة الغربية لإعلان الدولة المحررة بإرادة شعبها ومقاومتها الباسلة، فهل يمكن أن يتحقق هذا الحلم.

اقرأ أيضا للكاتب:

زر الذهاب إلى الأعلى