تاريخ أغفله التاريخ: عندما قررت إسرائيل غزو حى العباسية بالقاهرة !
سردية يكتبها: أحمد أبوبيبرس
لمن لا يعرف الكاتب المصرى اللامع الأستاذ توحيد مجدى فهو كان يكتب بانتظام لمجلة روزاليوسف فى مرحلة التسعينيات من القرن الماضى مقالات أغلبها كان عن المجتمع والدولة فى إسرائيل وقد ساعده فى ذلك إجادته التامة للغة العبرية مما جعله ينقب فى الكتب والمراجع الإسرائيلية وخصوصا العسكرية منها عن كل ماهو جديد و منشور فى الوثائق العسكرية الإسرائيلية وغير معلوم لنا على الجانب العربى وبالذات فى حروب الكيان الصهيونى مع العرب.
وقد سبق لى شخصيا تحليل دراسة سابقة للكاتب المذكور قام بنشرها فى شهر أكتوبر عام 1996 على صفحات مجلة روزاليوسف عن عملية إسرائيلية خطيرة قررت إسرائيل تنفيذها قبيل حرب أكتوبر 1973 مباشرة لتحرير طياريها الأسرى فى حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية من سجون الجيش المصرى فى حى العباسية بالقاهرة وهذا التحليل المثير قمت بنشره على الموقع الإليكترونى للمجموعة 73 مؤرخين منذ سنوات طويلة جدا والأن أعيد نشر تلك الدراسة الشيقة على “موقع بيان الإخبارى” بأسلوب سهل يفهمه جميع القراء الأفاضل
هذه القصة المنقولة من صحيفة معاريف الإسرائيلية تدل على قمة التخبط الإسرائيلى بعد أسر هذا العدد الذى يعد كبيرا من طياريها وملاحيها فى غضون فترة قليلة لدرجة أن إسرائيل فكرت فى القيام بعملية متهورة مجنونة على مشارف القاهرة لتحرير أسراها فى عملية كوماندوز غير مضمونة النجاح.
التجهيز للعملية
داخل أحد المكاتب الرئيسية فى داخل مبنى رئاسة الأركان الإسرائلية بتل أبيب فى شهر يونيو 1973، جرى اجتماع سرى خطير بين عدد من القادة الإسرائيليين لبحث مسألة تحرير عدد من الأسرى الطيارين الذين سقطوا بطائراتهم خلال المرحلة الأخيرة من حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية من داخل سجن العباسية فى القاهرة.
وفى مكتب إيهود باراك باراك فى هذا اليوم تجمعوا جميعاً معاً لأول مرة للتعارف ، وعلى مائدة الجلسة جلس هؤلاء:
“أورن موست” 22 عاماً مقاتل بوحدة 707 التابعة للكوماندوز البحرى الإسرائيلى
“ميخائيل أهرنسون” 18 عاماً مجند جديد للجيش له ثمانية أشهر فقط بوحدة ماتكال ،
“دانى أقنون” ضابط رقى حديثاً للملازم ،
“يوناثان ديقيس” 22 عاماً خريج حديث من الجامعة قسم العلاقات الدولية ومجند بسلاح المظلات
“أفى بوتكر” مقاتل 22 عاماً بوحدة إيجوز .
دعاهم إيهود باراك القائد المحنك لتوقيع بعض الأوراق أمامه، وفى هذه اللحظة عرف الموجودون إنها ليست عملية سهلة أو بسيطة وبدأ الجميع يمسكون بالمستندات التى طلب منهم التوقيع عليها .
وفوجئوا بأن المستندات تحمل شعار واسم الموساد الإسرائيلى، وسرح الجميع فى علاقاتهم والموساد ، ومادخلهم فى مستنداته ؟ وأنهى باراك الصمت المشوب بمئات الأسئلة بقوله : إنها مستندات للتعهد بعدم إفشاء الأسرار .
ولم يكن أحد من هؤلاء الشباب معتاداً على هذه الطريقة بالجيش لكنها أعجبتهم وأشعلت فيهم روح الغموض والمغامرة مع أنهم مازالوا لايعرفون شيئاً عن القادم .
كان التدريب مركزاً على الهجوم على مبنى مشابه تماماً لمبنى سجن العباسية المصرى كما شمل البرنامج التدريبى كيفية الحرب داخل نطاق مبانٍ عالية بمصاحبة طائرة هليكوبتر وإطلاق النيران على شبابيك مبنى السجن.
وأخيراً وبعد تدريب شاق حضر رئيس الأركان الجنرال ديفيد إليعازر، وألقى محاضرة قصيرة على طاقم العملية قال فيها :
“هدفكم هو سجن العباسية بمصر والملخص هو تحرير ـ رهائن ـ أسرى سلاح الطيران الإسرائيلى من السجن ثلاثة عشر طياراً ، ومنهم ملاحان جويان أيضاً ، حظاً سعيداً ..” ، هكذا ألقى عليهم إليعازر سر العملية وذهب.
بيان بالأسرى
وبدأ شهر سبتمبر 1973 يوشك على نهايته وكانت آخر رحلة هى الكشف للفرقة عن صور ومعلومات عن الأسرى
وكان هؤلاء الأسرى هم :
1- دان أفيدان سقط فى الأسر المصرى فى المزرعة الصينية يوم 14 ديسمبر 1969
2- الطيار / آفى نوف عام سقط فى الأسر يوم 9 فبراير 1970
3- موتى كوهين سقط ومعه زميله موتى بيلر يوم 11 فبراير 1970
4- ديفيد ليفى سقط ومعه زميله يائير دورى فى 30 مايو 1970
5- رامى هوفز وزميله الملاح الجوى أيال أحيقار سقطا فى الأسر يوم 30 يونيو 1970 وفى نفس اليوم سقط إثنان أخران هما إسحاق بير والملاح الجوى ديفيد يائير لكن يائير أنقذ فى أخر لحظة بواسطة هليكوبتر إسرائيلى
6- وفى 5 يوليو 1970 سقط عاموس زامير والملاح الجوى عاموس ليفى توف
7- ثم فى 18 يوليو 1970 سقط شموئيل جنيس قائد سرب فانتوم إسرائيلى ومعه كبير الملاحين الجويين لإسرائيل مناحم عيم.
ومـرت أيـام.. وحدثت الصدمة لإسرائيل فى حرب أكتوبر وظل مقاتلو عملية سجن العباسية أسرى منازلهم ينفذون الأوامر بعدم الاتصال بوحداتهم حتى جاءهم الخبر اليقين بأن عليهم الانضمام فوراً لوحداتهم لأن العملية ألغيت والحرب قامت !.
فى ملف العملية المغلق
وفى الحرب سًجل ملف العملية المغلق أن هنالك خمسة مقاتلين كانوا يتدربون بمكان أخر لنفس العملية قد سقطوا قتلى ولم يبقى من أفراد العملية سوى الخمسة الذين تجمعوا بمكتب رئيس الأركان فى يونيو 1973 وهم الآن (عام 1996)
1- ميخائيل أهرنسون ـ نائب مدير مصنع للموبيليا
2- د. دان أقنون ـ محاضر بالجامعة العبرية بالقدس
3- يوناثان ديقيس رئيس قسم العلاقات الخارجية بالجامعة العبرية بالقدس
4- آفى بوتكر ـ مهندس مدنى ومستورد شبابيك جاهزة
5- أورن موست نائب مدير شركة سيليكوم الإسرائلية حالياً .
تــلك الـقصـة كما ذكرناها كشفتها مؤخراً جريدة “معاريف” الإسرائلية لكن “معاريف” جاءت بالأسرى الإسرائليين أنفسهم ليدلوا بشهاداتهم عما حدث فى مصر.
شهادات الأسرى عن المصريين
وفى خلال شهاداتهم ذكر الأسرى أنهم تعبوا قليلاً فى بداية التحقيقات بعد سقوطهم بالأسر لكنهم قدموا صوراً لـ “معاريف” أخذت لهم أثناء الرحلات الترفيهية التى نظمتها لهم إدارة السجن وهى صور تدل فعلاً على كيفية معاملتهم الكريمة بالسجن بمصر.
أما عاموس لفى توف فقد أصر مؤخراً على الطيران بطائرة خاصة إلى مصر لإستعادة ذكريات سقوطه فى الأسر فى يوم الأحد 5 يوليو 1970 بطائرته الفانتوم لكنه لم ينس أن يحضر معه هذه المرة أيضاً زميله الملاح الجوى عاموس زامير .
سبق أن قامت القوات الأمريكية عام 1972 إبان حرب فيتنام بمحاولة لتحرير جنودها الأسرى من قبضة مقاتلو فيتنام الشمالية (الفيتوكونج ) من داخل أحد سجونهم، ووصلت طائرات الهليكوبتر الأمريكية إلى موقع السجن المقصود وقامت وحدات المارينز بعد إبرارها من الهليكوبترات بالاشتباك فى معركة دامية مع حراس السجن، انتهت بالقضاء علي الحراس والاستيلاء على مبنى السجن نفسه، لكن فوجئ الأمريكان أن أسراهم غير موجودين بمبنى السجن حيث تم نقلهم إلى سجن أخر لم تعلم عنه القوات الأمريكية شيئاً قبل تنفيذ العملية.
وعلى ما يبدو أن إسرائيل فكرت أن تحذو حذو الولايات المتحدة الأمريكية فى ذلك المضمار متوقعة أن تحقق نجاحاً يحسب لها ويكون ضربة موجعة مهينة لكرامة مصر وجيشها فيما لو نجحت عمليتها الجريئة فى العاصمة المصرية لاستخلاص أسرى العدو الـ 13 من قلب سجن العباسية.
وقطعا كان العدو يعتمد على عميل أو عملاء محليون نقلوا له وصفاً دقيقاً لمبنى السجن وموقعه بالعباسية داخل العاصمة المصرية ومكان زنازين جنود وطيارين العدو الإسرائيلى ومتضمنا رسما كروكيا مفصلاً تم على أثره إجراء تلك التدريبات المكثفة داخل إطار الخطة الإسرائلية الموضوعة لتحرير الأسرى.
أسئلة حائرة
ولا يستطبع المرء أن يمنع نفسه من التساؤل والتخيل فيما لو لم تقم حرب أكتوبر فى ذلك التوقيت واليوم التى وقعت فيه وتثنى لإسرائيل اختبار عضلاتها من خلال تلك العملية.. ماذا كانت ستكون النتيجة على طريقة أفلام رامبو وسلفستر ستالونى؟!.
وهل كان سيكتب لها النصر وتتمكن القوات الخاصة الإسرائلية من تنفيذ مهمتها بنجاح وإستخلاص الثلاث عشر أسيراً من قبضتنا أم سيتضاعف عدد الأسرى الإسرائليين بانضمام آخرين إليهم وسقوط أعداد أخرى من القتلى فى صفوف القوات المهاجمة فى حالة كان رد الفعل المصرى سريعا وتحركت قوات الشرطة والجيش القريبة بسرعة وحاصرت قوات الكوماندوز الإسرائلية فى العباسية أو تمكن طيراننا من اعتراض سبيل الهليكوبترات الإسرائيلية المغيرة فوق سماء القاهرة والتعامل معها فى الوقت المناسب؟!.
لو كانت الإجابة على هذه الأسئلة والاستفسارات بنجاح إسرائيل فى مهمتها فلنحمد الله سبحانه وتعالى على قيام حرب أكتوبر فى الوقت المناسب حيث إضطرت إسرائيل إلى إلغاء تلك العملية الخطيرة ولو كانت الإجابة على التساؤلات بنجاح مصر فى إلحاق هزيمة قاسية بقوات العدو فى العباسية فقد ادخر القدر هزيمة آخرى أكبر وأشنع لإسرائيل على رمال سيناء تمثلت فى هزيمتها فى حرب السادس من أكتوبر والقضاء على أسطورة جيش العدو الذى لايقهر.