تاريخ أغفله التاريخ: كـلام جديد عن حرب اليمن 1962.. إعادة نظر ورد للاعتبار

أحمد أبو بيبرس

سردية يكتبها: أحمد أبوبيبرس

كانت حرب اليمن سنة 1962 سبب من أسباب هزيمة حرب 1967 ؟؟!!!!.
أعتبر نفسى أول كاتب مصرى يدحض المقولة السابقة التى صارت خرافة من الخرافات الدارجة والأكاذيب الشائعة وينسفها من جذورها.
دأبت الأطياف المختلفة المعادية لثورة 23 يوليو ومرحلة حكم الرئيس جمال عبد الناصر على الإدعاء الباطل بأن مساندة جيش مصر لثورة اليمن عام 1962 هو سبب من أسباب هزيمة حرب 1967
والمدهش والمحير أن سايرهم بعض ممن يدعون خبراء عسكريين فى هذا الظن.
مع العلم بأن حرب 1967 كانت مجرد جولة من جولات الصراع مع العدو الصهيونى أعقبها النصر المبين فى حربى الإستنزاف من 1967 إلى 1970 وأكتوبر 1973
قبل الخوض العميق فى التحليلات والشروحات دعونا نتحدث بشرح مختصر كيف بدأت حرب اليمن ؟
اليمن كان يحكمها حتى سنة ١٩٦٢ نظام حكم متخلف رجعى تحت حكم الإمام البدر جعل اليمن تعيش فى العصور الوسطى
محرومة من أبسط أدوات الحضارة والتقدم
حتى قامت بها ثورة عسكرية بقيادة تنظيم الضباط الأحرار مستلهمة بتجربة ثورة 23 يوليو فى مصر
طلبت الثورة الوليدة من مصر مساعدتها باعتبارها مركز التحرر القومى العالمى وقائدة الثورات العربية بزعامة القائد جمال عبد الناصر الذى لم يتأخر عنها كقائد وزعيم صادق مع نفسه ومع ما يطرحه من شعارات التحرر من الإستعمار وأرسل سرية عسكرية مصرية مكونة من ١٢٠ جندى مصرى من سلاح الصاعقة فقط كانت كافية تماما لدعم الثورة اليمنية لو جرت الأمور فى اليمن فى مجراها الطبيعى لكن الذى حصل أن السعودية التى تقع شمال اليمن هالها أن تصل الثورة من المركز الثورى فى مصر الى أقصى أطراف الجزيرة العربية فى اليمن فتطالها عدوى الثورة ذاتها
فإن دول الخليج العربى عامة لا تشجع على قيام اى ثورات عربية لأنها تعتبرها تهدد بقاء عروشها الهشة ذاتها
فمشيخات الخليج كما يعرف الكثيرون كلها صناعة بريطانية فى النصف الأول من القرن العشرين وما قبله
تدخلت السعودية وقامت برشوة القبائل اليمنية التى أيدت الثورة اليمنية الوليدة لكى تنقلب عليها ولم تكتف بذلك وانما قامت بإمداد زعماء القبائل بالسلاح أيضا .

وعليه …نشطت أجهزة المخابرات المعادية للأمة العربية كالمخابرات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية لعمل تحالف جماعى مع الرجعية العربية لإفشال ثورة اليمن
أما بالنسبة لجمال عبد الناصر فلم يعد ال ١٢٠ جنديا الذين أرسلهم لليمن يعدوا بكافيين لقتال عناصر الثورة المضادة اليمنية التى تحالفت بدورها مع قوى الاستعمار العالمى
فوصلت طلائع جديدة للجيش المصرى الى اليمن لمقاتلة قوى الثورة المضادة والاستعمار
فى ملحمة جديدة كتب على عبد الناصر أن يخوضها
تعقد الموقف على الساحة اليمنية اكثر حتى تحولت اليمن الى ساحة حرب حقيقية
لم تستطيع مصر ترك اليمن او تخل بالتزامها القومى نحوها حتى تنال استقلالها وحريتها
إذا إعتبرنا ان جيش مصر تورط فى اليمن فإن هذا التورط جاء بفعل دسائس الرجعية والاستعمار
اصبحت القوات المصرية تعدادها فى اليمن بالآلاف وكانت طائرات إسرائيل تلقى بالسلاح والمؤونة الى قبائل الثورة المضادة
وخاض الجيش المصرى قتالا جبليا صعبا فوق جبال اليمن
واستدعى ذلك جلب طائرات حربية من مصر للدعم والمساندة وجلب دبابات ومدرعات
وزاد تعداد القوات المصرية فى اليمن إلى آلاف وآلاف ثم عشرات الآلاف من الجنود هناك
نشطت الدعاية الرجعية الإعلامية السعودية تتهم نظام عبد الناصر بالكفر والشيوعية واتسعت دائرة حرب اليمن بشدة
بحلول عام ١٩٦٥ تقرر عقد إتفاقية جدة بين مصر والسعودية التى نصت على أن تكف السعودية يدها عن التدخل فى الشأن اليمنى مقابل أن ينسحب جيش مصر من اليمن بعد أن انتصرت ثورة اليمن حتى ذلك الوقت
ومن المدهش أن السعودية لم تلتزم بهذه الاتفاقية وواصلت دعم الثورة المضادة بالمال والسلاح وبالتالى بدا أن مشكلة اليمن ليس لها حل فى المدى القريب وتحولت إلى حرب استنزاف لجيش مصر
ظهرت الكتابات بعد رحيل جمال عبد الناصر تعتبر أن حرب اليمن استنزفت الاقتصاد المصرى وأرهقت ميزانية البلاد وتسببت فى ضياع رصيد الإحتياطى الذهبى فى البنك المركزى المصرى بل وبالغوا بشدة فى أعداد شهداء حرب اليمن من الجيش المصرى إلى رقم 50 ألف شهيد كما إدعى بذلك المدعو الشيخ كشك فى إحدى خطبه فى السبعينات بينما العدد الحقيقى أقل من خمسة آلاف شهيد وأعفت الكتابات المسمومة الإستعمار والرجعية السعودية من جريمة محاولات إفشال الثورة اليمنية وإطالة أمد الحرب وإراقة الدماء فى اليمن وقطعت بجهل وجهالة أن حرب اليمن من أسباب هزيمة يونيو 67
وهذا الكلام ليس دقيقا ولا صحيحاً
ففى ظل استمرار حرب اليمن قامت مصر ببناء السد العالى الذى هو من أكبر انجازات القرن العشرين
فى ظل حرب اليمن حققت مصر أكبر نجاح فى الخطة الخمسية للتنمية الاقتصادية ١٩٦٠ / ١٩٦٥
أتمت مصر فى ظل حرب اليمن التحول الاشتراكي كاملاً وحققت العدالة الاجتماعية وزادت من عدد المصانع والمدارس والمستشفيات
ولو شكلت حرب اليمن مستوى الإعاقة العالى الذى تتحدث عنه المقولات الجاهلة لما استطاعت مصر تحقيق كل هذه الإنجازات فى ظل قيادة عبد الناصر الثورية الحكيمة الرشيدة
فعلى سبيل المثال تكفل الإتحاد السوفيتي بنقل قوات الجيش المصرى من مصر الى اليمن على حسابه مجاناً مما خفض كثيراً من تكاليف هذه الحرب
بحلول عام ١٩٦٧ وصل تعداد الجيش المصرى الى ٧٠ ألف جندى مصرى لكن فى النهاية تحقق النصر وانتصرت الثورة اليمنية على نظام الحكم الرجعى فى اليمن وفشلت كل محاولات التدخل الاجنبى الخارجى بفضل المساندة المصرية المباشرة لثورة اليمن وانسحبت قوات الاحتلال البريطانى التى كانت موجودة فى جنوب اليمن واستقرت الأمور هناك تماما لصالح ثورة اليمن
وواصلت مصر القيام بمجهودها فى نشر التعليم والحضارة فى اليمن فى السلم كما فى الحرب
ووقعت احداث ١٩٦٧ ونصف جبش مصر فى اليمن وهذا ليس له علاقة بالهزيمة
بعد إستعراض هذه المقدمة التاريخية المختصرة التى كانت تعتبر ضرورية لمن ليس لديه خلفية تاريخية كافية بأحوال ثورة اليمن
نأتى للرد على النقطة الأبرز محل الخلاف وهى أنه لولا حرب اليمن لكان تم إرسال ال ٧٠ ألف جندى الموجودين فى اليمن إلى سيناء فى مواجهة عام ١٩٦٧ مع العدو الصهيونى وكانوا قد هلك الكثير منهم أو هزموا مثلما جرى للباقين من زملائهم بطيران العدو
لأن عقلية المشير عامر وممن حوله من جنرالات السوء مثل جلال هريدى وعبد المحسن المرتجى كانت تسيطر عليهم فكرة واحدة غبية وهى إرسال كل ما يصلح للقتال إلى سيناء من قوات ومعدات وعربات قتالية لتحقيق أكبر كمية من الحشد فتحول الحشد إلى (حـشــر)
لقد إعتبر الجنرالات المذكورين من رجال عامر لضحالة خبرتهم العسكرية سيناء كأنها علبة أو صندوق ينبغى ملؤه بكل شيئ يصلح للقتال حتى جنود الإحتياط تم زجهم إلى ساحة المواجهة بسيناء وهم لازالوا بالجلاليب لأن الوقت لم يتسع لكى يتسلموا بدلات عسكرية جديدة ولم يتم ترك أى إحتياطى إستراتيجى من الجيش المصرى خارج سيناء إذ تم حشد حوالى 90 ألف جندى مصرى على خط المواجهة مع العدو فى سيناء وعلى محاور القتال الثلاثة فيها
لذا فلم يكن يهم القيادات العسكرية وعلى رأسها المشير عامر سوى تحقيق مبدأ الحشد فقط
وإغفال باقى مبادئ الحرب الأخرى مثل التدريب الشامل والدعم اللوجستى وحسن إعداد الخطط الحربية والخطط البديلة والمعرفة التامة بنقاط ضعف العدو ونقاط قوته .. إلخ إلخ
وعلى هذا فلو وجد المشير عامر وجنرالاته 70 ألف جندى مصرى أخرين عادوا مبكرا من اليمن قبل 5 يونيو 1967 لحشدهم و( حشرهم) مع باقى القوات والنتيجة كانت معروفة
أما وجودهم فى اليمن لحسن الحظ والظروف فقد حماهم من الوقوع فى الأسر او الإبادة أو الهزيمة وفى نفس الوقت حولهم الى قوة احتياطى استراتيجي للجيش المصرى اثناء مرحلة اعادة البناء بعد حرب ١٩٦٧
فقد زاد عدد الجيش المصرى الى ٧٠ ألف مقاتل دفعة واحدة نهاية عام ١٩٦٧ بعودة القوات المصرية التى كانت موجودة فى اليمن على دفعات …عادوا بسلاحهم كاملا عادوا بروح معنوية عالية إذ لم يشاركوا فى أحداث ٦٧
بالتالى عادوا مستعدين للقتال فوراً فكانوا قوة مضافة مضاعفة زادت كثيرا من قدرات الجيش المصرى فى حرب الإستنزاف ومنع العدو فى مجرد التفكير من القيام بأى مغامرة عسكرية جديدة لإجتياز قناة السويس من سيناء إلى غرب الفناة
ثانيا … وقوف مصر بجوار ثورة اليمن عام ١٩٦٢ جعل اليمن ترد الجميل الى مصر
فى حرب اكتوير ١٩٧٣ عندما سمح النظام الثورى فى اليمن لقطع الأسطول البحرى المصرى بالتمركز فى باب المندب بالبحر الأحمر وإغلاق مضيق باب المندب
ماذا لو لم تقم ثورة اليمن إذن ؟
لم يكن نظام الإمام البدر الرجعى ليسمح لقطع الاسطول المصرى بالتمركز فى مضيق باب المندب وبالتالي كان قد استحال غلق المضيق فى وجه الملاحة البحرية الإسرائيلية وذلك كان سيكون له أثره السلبى فى سير المعارك البرية بما يسقط ركن هام من أركان نصر حرب أكتوبر المجيدة
فوجود القوات المصرية فى اليمن حقق 4 إنجازات تاريخية قلما إنتبه إليهم أحد : ـــ
1ــ دعم الثورة اليمنية وتثبيت أقدامها وطرد الإستعمار البريطاني من جنوب اليمن
2ـ حمايتها من الزج بها في محرقة 1967
3ــ تحقيق السرعة في إعادة بناء الجيش المصري وإستعادة كفاءته العسكرية في أقصر وقت والإنتصار في حرب الإستنزاف على العدو الإسرائيلى
4ــ موافقة اليمن على تمركز الأسطول الحربي المصري على التمركز في مضيق باب المندب في حرب أكتوبر 1973 وإغلاقه للملاحة الإسرائيلية فيه
وبعد إستعراض كل ماسبق يتضح تماما أن مساندة اليمن لم يكن له أى علاقة بتداعيات حرب 1967 لا من قريب ولا من بعيد رحم الله الزعيم جمال عبد الناصر فقد كان يملك رؤية استراتيجية بعيدة المدى للتضامن العربى وقت الأزمات والشدة فقد ساهم فى تحقيق جزء كبير من إنتصار السادس من أكتوبر حتى بعد رحيله عن دنيانا عام 1970

 

عبد الناصر وثورة اليمن وأول رئيس يمنى بعد الثورة عبد الله السلال

اقرأ فى هذه السلسلة:

– تاريخ أغفله التاريخ.. جرائم إسرائيل البشعة ضد المدنيين فى حرب أكتوبر ١٩٧٣

– تاريخ أغفله التاريخ.. قصة إغراق المدمرة الإسرائيلية يافو مع المدمرة إيلات

 

زر الذهاب إلى الأعلى