رسالة روما: غبار الفاشية يتسبب في أزمة سياسية إيطالية
رسالة روما: إكرامى هاشم
تشهد إيطاليا أزمة سياسية وجدل مجتمعي تسبب فيه قيام مجموعة من أنصار اليمين المتطرف بأداء التحية الرومانية (الفاشية) وذلك بمناسبة إحياء ذكرى ضحايا أكا لارنتينا، وهم ثلاثة شباب من نشطاء جبهة الشباب اليمينية في السابع من يناير عام 1978 أثناء اشتباكات مع الشرطة حينها في شارع لارينتينا بالعاصمة روما. وقد تم تسمية الذكرى بنفس اسم الشارع الذي وقعت فيه الأحداث، وأصبح ذلك التاريخ رمزا لنضال الحركات اليمينية، ويتم إحياء ذكراه في نفس اليوم من كل عام والذي لا يخلو غالبا من بعض الجدل.
ذكري هؤلاء الضحايا
جاء إحياء الذكرى هذا العام أكثر جدلا بسبب قيام مجموعة من نشطاء اليمين المتطرف أثناء الإحتفال بذكري هؤلاء الضحايا بأداء التحية الرومانية، والمعروفة كرمز من رموز الفاشية، وهي مد الذراع اليمنى بزاوية قليلة. وهو الأمر المجرم قانونيا و دستوريا في إيطاليا، الأمر الذي تسبب في حالة من الجدل داخل المجتمع الإيطالي، وفتح باب التساؤلات حول نشاط الجماعات الفاشية الجديدة وتناميها داخل المجتمع الإيطالي، وأعطى الفرصة للأحزاب اليسارية المعارضة في البلاد لشن هجوم على حكومة جورجيا ميلوني ذات التوجه اليميني، وأصبح الجميع يسأل عن موقفها من تلك الجماعات وممارساتها.
وكان قد شارك في حفل الذكرى رئيس منطقة لاتسيو، فرانشيسكو روكا، ومستشار الثقافة لبلدية روما، ميجيل جوتو. والذين قاموا بوضع إكليل من الورود على قبور الضحايا الثلاثة. وفي نهاية حفل الذكرى، قام مجموعة من الحضور بأداء التحية الرومانية على مرأى ومسمع من مسؤولي الإقليم وبحضور وسائل الإعلام المحلية، والتي بدورها سلطت الضوء على الواقعة، الأمر الذي سبب حرجا للحضور من المسؤولين.
ردود الفعل
وعلى الفور توالت ردود الفعل السياسية والانتقادات تجاه الواقعة كالتالى:
- أدانت شخصيات معارضة استخدام التحية الرومانية خلال إحياء الذكرى. وقال زعيم حزب العمل، كارلو كاليندا، “هذا عار غير مقبول في دولة ديمقراطية أوروبية”.
- وقالت إيلي شلاين، أمين الحزب الديمقراطي، “يجب حل المنظمات الفاشية الجديدة، كما ينص الدستور”. وأضاف زعيم الديمقراطيين، “سنطرح سؤالاً على وزير الداخلية، بيانتيدوسي، ما حدث غير مقبول”.
ورد الرئيس روكا أمس بقسوة على هذه الاتهامات، ونفى وجود التحيات الرومانية في الحفل المؤسسي، ووصف تصريحات المستشار الإقليمي، إيمانويلا دروغي، بأنها كاذبة وسريالية وتشهيرية. وشددت الرئيسة روكا، خلال إحياء الذكرى، على واجب تذكر ضحايا سنوات الرصاص، وعرّفتهم بأنهم “الذين ماتوا بسبب الكراهية الأيديولوجية التي سممت تلك الفترة”. وشارك عضو مجلس الكابيتول، جوتور، في الحفل للتأكيد على أن التشدد السياسي لا يمكن أن يبرر العنف وسفك الدماء.
وجاء رد وزير الداخلية على التعرضة متسائلا لماذا لم تقم الحكومات اليسارية السابقة بحل تلك المنظمات.
في ذات الوقت، قام المدعي العام في روما بفتح تحقيق، وأمرا لوزير الداخلية بملاحقة المتورطين بأداء التحية الرومانية والقبض عليهم.
ولكنما زاد الأمر سوءا هو تكرار الواقعة أثناء مباراة القمة في كأس إيطاليا بين فريقي روما ولاتسيو، حيث قام مجموعة من مشجعي فريق لاتسيو أثناء المباراة بأداء التحية الرومانية، واعقب المباراة أحداث شغب بين مجموعات الألتراس أسفرت عن مقتل أحد مشجعي فريق روما، ليستمر الجدل من جديد حول نشاط الجماعات الفاشية الجديدة في إيطاليا.
التحية الرومانية في القانون الإيطالي
في النظام القانوني الإيطالي، تعد المظاهر الفاشية جريمة يعاقب عليها القانون رقم 100، والصادر فى المرسوم رقم 645 بتاريخ 20 يونيو 1952، والمعروف إعلاميا باسم قانون سكيلبا، الذي سمي على اسم وزير الداخلية آنذاك ورئيس الوزراء فيما بعد.
وينفذ القانون الحكم الانتقالي الثاني عشر من الدستور الذي يحظر “إعادة تنظيم الحزب الفاشي المنحل بأي شكل من الأشكال”.
والسؤال الذى يطرح نفسه: ماذا يعني الرغبة في إعادة تشكيل “الحزب الفاشي المنحل”؟.. وما عقوبة ذلك؟، وتداعياته؟.
توضح المادة 1 من القانون ذلك بوضوح حين تذكر أنه: “عندما تسعى جمعية أو حركة أو مجموعة من الأشخاص لا يقل عددهم عن خمسة أشخاص إلى تحقيق أهداف معادية للديمقراطية خاصة بالحزب الفاشي، أو تمجيد العنف أو التهديد به أو استخدامه كوسيلة للنضال السياسي، أو الدعوة إلى قمع الحريات التي يكفلها الدستور، أو تشويه سمعة الديمقراطية ومؤسساتها وقيم المقاومة، أو القيام بالدعاية العنصرية”.
وتضيف المادة 1 من قانون سكيلبا، أنه حتى عندما تقوم جمعية أو حركة أو مجموعة من الأشخاص لا يقل عددهم عن خمسة “بتوجيه نشاطها إلى تمجيد دعاتها ومبادئها وحقائقها وأساليب الطرف المذكور، أو يقوم بمظاهر خارجية ذات طابع فاشي”.. ماذا يحدث؟
تأتى الإجابة في المادة 2، فى قانون سكيلبا، وتنص على أن “كل من يروج أو ينظم” جمعيات أو حركات أو مجموعات تسعى إلى “أهداف معادية للديمقراطية للحزب الفاشي” يعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين خمس سنوات واثنتي عشرة سنة وبغرامة. ويعاقب “كل من يشارك في مثل هذه الجمعيات أو الحركات أو الجماعات” بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات والغرامة.
وماذا يحدث إذا أرادت مجموعة من الناس إعادة تشكيل الحزب الفاشي؟
توضح المادة 3 من قانون سكيلبا ذلك جيدًا: “إذا ثبت حكم إعادة تنظيم الحزب الفاشي المنحل، يأمر وزير الداخلية، بعد الاستماع إلى مجلس الوزراء، بحل ومصادرة أصول الجمعية، الحركة أو المجموعة”.
وفي ظل قوانين سكيلبا ومانشينو، هل يرتكب جريمة من يؤدي التحية الفاشية في الأماكن العامة؟
فى الإجابة “القانونية” على السؤال السابق، غالبًا ما تجد المحاكم نفسها على خلاف مع بعضها البعض، على الرغم من أن التفسير السائد هو أن أداء التحية الفاشية لا يعد جريمة ما لم يكن هناك خطر إعادة تنظيم الحزب الفاشي، أو السعي لتحقيق أهداف مناهضة للديمقراطية وتمييزية. وبعبارة أخرى، فإن القيام بهذه البادرة لا يعتبر جريمة إلا إذا كانت تجسد رغبة الحزب المنحل في إعادة التنظيم، أو تشكل تحريضا على الكراهية.
ولذلك، فإن قانون مانشينو يعدل (جزئيًا) قانون سكيلبا، ويجعل حظر الدعاية الفاشية أكثر وضوحًا.
ويعاقب القانون “كل من ينشر (…) أفكاراً تقوم على التفوق أو الكراهية العنصرية أو الإثنية، أو يحرض على ارتكاب أو ارتكاب أعمال التمييز لأسباب عنصرية أو إثنية أو قومية أو دينية”، ويحظر إنشاء منظمات مستوحاة من هذه الأفكار والقيم، وفرض انحلالها.
كما يحظر عرض أعلام أو عرض شعارات ورموز هذه المنظمات.
وتأتى المادة 4 من قانون سكيلبا تنظم الدفاع عن الفاشية. “كل من يمجد علناً دعاة أو مبادئ أو حقائق أو أساليب الفاشية، أو أهدافها المناهضة للديمقراطية” يعاقب بالسجن من ستة أشهر إلى سنتين.
وتنص المادة المعنية، والتي جرى عليها تعديل فى قانون مانشينو لعام 1993، على ذات العقوبة التى توقع على “كل من قام بالدعاية لإنشاء جمعية أو حركة أو جماعة” ذات الخصائص والأغراض المبينة سابقًا في المادة 1.