طارق صلاح الدين يكتب: طوفان الأقصى إلى أين؟ (18)

بيان
كما توقعت تماما فقد فشلت مقترحات لقاء باريس والتى شكلت النقطة الفاصلة في جهود الوساطة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية برعاية أمريكية مصرية قطرية رغم استقبال الفصائل لمقترحات باريس بإيجابية كبيرة إلا أن بينيامين نتنياهو رفض رد المقاومة الفلسطينية على مقترحات باريس وأعلن أنه لن يدفع ما أسماه الثمن الباهظ للإفراج عن الرهائن.
المحك الرئيس للخلاف هو إصرار الفصائل الفلسطينية على وقف شامل لإطلاق النار وانسحاب الجيش الإسرائيلى من قطاع غزة وضمان عدم عودة إسرائيل لمهاجمة قطاع غزة وأن تكون أطراف الضمان هى الولايات المتحدة الأمريكية ومصر وقطر.

وأن يتم ذلك كله بالتزامن مع مفاوضات تبادل الأسرى التى أبدت حماس مرونة بشأنها وخفضت العدد المطلوب الإفراج عنه إلى ١٥٠٠ أسير بينهم مجموعة من أصحاب الأحكام المؤبدة وعلى رأسهم مروان البرغوثى أشهر سجين لدى إسرائيل.
ورغم رفض إسرائيل التام لمقترحات الفصائل وإصرارها على استكمال العملية العسكرية بالهجوم على مدينة رفح بحجة تصفية الكتائب الأربعة أو الستة الأخيرة لدى حماس، مع المخاطرة بمصير الرهائن الذين قتل منهم الكثيرون بالنيران الصديقة الإسرائيلية ليبدو واضحا أن نتنياهو يرغب في التخلص من ورقة ضغط الرهائن وهى الورقة الرابحة التى تتمسك بها الفصائل الفلسطينية بعد ورقة الصمود في الميدان والثبات فى المواجهة حتى هذه اللحظة.

ويبدو أن مايسترو الصراع ورجل الظل والضوء معا يحيى السنوار، قد عقد عزمه على عدم التنازل مطلقا عن مطالب الفصائل الفلسطينية مهما هددت إسرائيل باجتياح رفح.
وهكذا يقف الوسطاء الأمريكيين والمصريين والقطريين بين مطرقة نتنياهو وسندان السنوار ولايبدو أن أيا منهم سيتزحزح قيد أنملة عن موقفه.
إسرائيل أعلنت عدم اكتراثها على الإطلاق بشهر رمضان الذى يمثل قدسية عظيمة لدى المسلمين والعرب ولم تكتف بإعلان إستمرار عملياتها بل وأيضا فرضت القيود على زيارة المسجد الأقصى فى رمضان.
الولايات المتحدة الأمريكية تمارس بثبات تأييد إسرائيل ولاتقبل مطلقا بوقف إطلاق النار فى غزة واستخدمت الفيتو للمرة الثالثة على التوالي لإجهاض مشروع قرار وقف إطلاق النار الذى تبنته الجزائر هذه المرة وعللت الولايات المتحدة ذلك بأن قرار مجلس الأمن سيقضى على الجهود الدبلوماسية التى تتم خارج نطاق الأمم المتحدة وكذلك لم يتضمن القرار الإشارة إلى إدانة حركة حماس بسبب هجمات السابع من أكتوبر ٢٠٢٣.
ولكن هذا الصلف والتحدى الأمريكى يقابله عجز تام عن وقف هجمات الحوثيين على السفن البريطانية والأمريكية وقبلها السفن الإسرائيلية واغلاق الملاحة تماما فى البحر الأحمر أمام ميناء إيلات الإسرائيلى.

ونجح الحوثيون فى قصف سفينة بريطانية وأخرى إسرائيلية وإسقاط مسيرة أمريكية، ويُقسم الحوثيون على استمرار منع الملاحة حتى يتم فرض وقف شامل لإطلاق النار، وانسحاب الجيش الإسرائيلى من قطاع غزة.

على الجبهة الشمالية دخل التصعيد بين إسرائيل وحزب الله اللبنانى إلى مراحل متقدمة بعد قصف حزب الله الذى وصل إلى بحيرة طبرية فردت إسرائيل بقصف مدينة صور اللبنانية على بعد أكثر من ٦٠ كيلو من الحدود مع لبنان.
ولكن تظل هذه الخروقات فى إطار قواعد الاشتباك ولا تعنى الوصول إلى إنفجار الوضع على حدود لبنان الجنوبية.
الضغط الحديث على إسرائيل تجسد في ذهاب العديد من الدول من جديد إلى محكمة العدل الدولية في لاهاى لإدانة الإحتلال الإسرائيلي ونزع أى شرعية عنه وهو مأزق جديد يضاف إلى مأزق ملف جنوب أفريقيا الذى يتهم إسرائيل بشن حرب إبادة جماعية في غزة.
الشيء الجدير بالذكر أن الفصائل الفلسطينية لاتلق بالا إلى الحديث عن حل الدولتين وتعتبره حديث هزلى لأنه لايضع حدود واضحة ولا مواصفات للدولة الفلسطينية من حيث حدود هذه الدولة أو عاصمتها التى يصمم كافة الفلسطينيين أن تكون القدس الشرقية وهو ماترفضه تماما إسرائيل التى أعلنت القدس الموحدة عاصمة لها واعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بذلك فى فترة حكم الرئيس ترامب.
النقطة الخلافية الأخرى في مسألة الدولة الفلسطينية تتمثل فى مقترح أن تكون دولة منزوعة السلاح وهو ماترفضه بشدة كافة الفصائل الفلسطينية والتى لن يستطيع محمود عباس الرئيس الفلسطيني أو أى رئيس فلسطينى آخر فرضه على الفصائل الفلسطينية التى تعتبر نفسها صاحبة الحق في تحريك القضية الفلسطينية ووضعها على رأس قائمة اهتمامات العالم.
وتبقى مستوطنات إسرائيل في الضفة الغربية أهم عقبة فى طريق إقامة الدولة الفلسطينية.
ويبدو أن حل الصراع الإسرائيلى الفلسطيني لازال أمامه طريق طويل من العقبات التى تمنع وضع حل نهائى للصراع.
ويبدو أن الكلمة الأخيرة ستكون للميدان ولمن يملك النفس الأطول في صراع التحدى ليفرض نفسه فى النهاية منتصرا فى هذه الحرب التى تعتبر الأخطر منذ حرب ١٩٤٨.

اقرأ أيضا:

طارق صلاح الدين يكتب: طوفان الأقصى إلى أين؟ (17)

طارق صلاح الدين يكتب: طوفان الأقصى إلى أين؟ (16)

زر الذهاب إلى الأعلى