طارق صلاح الدين يكتب: طوفان الأقصى إلى أين؟ (20)
بيان
قراءات استراتيجية قمت بها وأثبتت الأحداث صدقها التام على عدة محاور وأهمها على الإطلاق تأكيدى عدم دخول صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار حيز الاتفاق بين الفصائل الفلسطينية وبين إسرائيل، وذلك في الوقت الذى كانت تؤكد فيه عدة مواقع إخبارية وكثير من المحللين السياسيين و العسكريين قرب الوصول إلى اتفاق وخاصة بعد اجتماعات باريس الأولى والثانية والجولات المكوكية بين القاهرة والدوحة.
دافعى فى استبعاد التوصل إلى إطار اتفاق سببه الفجوة الضخمة بين مطالب الفصائل الفلسطينية وبين الثمن الذي ترغب إسرائيل في دفعه ويقل كثيرا جدا عن ماتطلبه الفصائل التى تصمم على إطلاق الكل مقابل الكل والإفراج عن أصحاب المؤبدات والأحكام العالية وهو ماوصفه نتنياهو بالمطالب السخيفة لحماس والتى لن تستجيب لها إسرائيل.
وعاد نتنياهو في مؤتمره الصحفي يوم الخميس ٢٩ فبراير للقول بإنه ينظر إلى المفاوضات على أنها تمنحه الوقت لتنفيذ كافة أهدافه العسكرية وهو قول يوضح بجلاء أن المسار العسكرى هو الأول على جدول أولويات نتنياهو وأن الضغط العسكرى فقط هو السبيل لفرض شروط إسرائيل على المفاوضات.
ويتم تطعيم هذا المسار بضغوط إسرائيلية أهمها منع المساعدات من دخول قطاع غزة إلا بكميات ضعيفة جدا تسمح باستخدام التجويع كسلاح ضد شعب غزة للضغط عليه (الشعب)، للخلاف مع الفصائل الفلسطينية من جهة، والضغط على الفصائل نفسها لتخفيض سقف مطالبها في المفاوضات.
ووصل الأمر بنتنياهو إلى ارتكاب مجزرة في دار النابلسى يوم الخميس ٢٩ فبراير لقصف المدنيين أثناء تسلمهم للمعونات الغذائية وهو ما أحدث ردود فعل غاضبة في معظم أنحاء العالم.
ولكن نتنياهو كعادته لايلق بالا لهذه الردود الغاضبة ويعتمد تماما على الولايات المتحدة الأمريكية التى بالفعل تصدت لصياغة مشروع قرار بمجلس الأمن لإدانة إسرائيل وتعللت الولايات المتحدة بأن هناك أمور غير واضحة ولا داعى للعجلة ويجب سماع وجهة النظر الإسرائيلية وهو موقف ليس جديدا على الولايات المتحدة التى استخدمت حق الفيتو ضد ثلاثة مشروعات لوقف إطلاق النار فى غزة.
من جهتها ردت حركة حماس بطريقتها الخاصة والتى تنجح فى كل مئة بالضغط على مجلس الحرب الإسرائيلى وذلك ببث فيديو مقتل سبعة من الأسرى الإسرائيليين بسلاح الجيش الإسرائيلى بينهم ثلاثة من مؤسسى دولة وجيش إسرائيل كانوا قد أرسلوا نداءات لمجلس الحرب الإسرائيلى تحت عنوان لاتتركونا نشيخ.
وقامت حماس بشكل مباشر على لسان أبو عبيدة المتحدث الرسمى بتوجيه الإتهام لنتنياهو بقتل هؤلاء الأسرى لرغبته في التخلص من ضغط هذا الملف، وأن ذلك لن يؤثر على الفصائل الفلسطينية التى ستحصل على ماتريده حتى لو تبقى لديها خمسة أو سبعة اسرى فقط، فى تذكير واضح بصفقة جلعاد شاليط وكذلك تبادل الأسرى الفلسطينيين بجثث الرهائن اليهود الذين قتلهم الجيش الإسرائيلى على غرار صفقة حزب الله والتى استعاد فيها مئات الأسرى الفلسطينيين واللبنانين برفات جنديين إسرائيليين.
ولا تكتفى الفصائل الفلسطينية بذلك بل وتثبت صمودا أسطوريا في جبهات القتال وتكتيكات عالية جدا كان آخرها قيام سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي بتفخيخ ونسف منزل بعد دخول قوة إسرائيلية إليه مما أوقعهم قتلى بخلاف عدة عمليات نوعية مصورة لقنص قناصين إسرائيليين وأدى ذلك كله إلى إعلان الجيش الإسرائيلى عن حاجته لتجنيد أربعة عشر ألف جندى بشكل عاجل لسد النقص على مختلف جبهات القتال ولكن وزارة المالية ردت بعدم توفير اعتمادات مالية إلا لثلاثة آلاف جندى فقط.
من جهة أخرى أعلن الجيش الإسرائيلى عن دراسته تجنيد المتشددين الدينيين الإسرائيليين من الحرديم الذين يرفضون الخدمة العسكرية بحجة التفرغ لدراسة اللاهوت اليهودى.
وعلى صعيد الجبهة اللبنانية قام حزب الله بتصعيد عملياته العسكرية ضد الشمال الإسرائيلى بينما استهدف الحوثيون المزيد من السفن البريطانية والأمريكية ويثبتون بفعالية نجاحهم في إغلاق البحر الأحمر أمام الملاحة الإسرائيلية إلى ميناء إيلات.
أما الولايات المتحدة الأمريكية والتى تتخبط بشدة في موافقها واعلاناتها فقد اعلن الرئيس بايدن أن يوم الإثنين القادم والموافق الرابع من مارس ٢٠٢٤ سيشهد الإتفاق على وقف مؤقت لإطلاق النار ثم عاد بعد أيام قليلة ليعلن عدم توقعه لحدوث ذلك الإتفاق.
وعلى صعيد أخر أعلن الرئيس بايدن عن قيام الولايات المتحدة بعمليات إنزال جوى أمريكى للمساعدات في قطاع غزة وهو ما يتعارض تماما مع مواقفه المعلنة بدعم كل ماتقوم به إسرائيل في غزة.
دول أمريكا اللاتينية وفى مقدمتها البرازيل وصفت مجزرة دار النابلسى بأنها تشبه المحرقة النازية وأنها إبادة جماعية واضحة لاتقبل الشك أو التكذيب.
أما نيكاراجوا فقد تقدمت بمذكرة إلى محكمة العدل الدولية تتهم فيها ألمانيا بمساعدة إسرائيل في ارتكاب الإبادة الجماعية عن طريق تقديم كافة أوجه الدعم والمساعدة لإسرائيل.
لازلت أرى أن الاتفاق على وقف لإطلاق النار فى غزة لايزال بعيدا وأن الموقف سيظل في الميدان لأيام أو ربما لأسابيع قادمة رغم تفاؤل الكثيرين بالتوصل إلى هذا الاتفاق.