شريف عبد القادر يكتب: اقتصاد أبيح وبجح
بيان
لا أعرف لماذا تعتقد الدولة أن القطاع الخاص سيساهم في التنمية والنهوض بالاقتصاد القومي، فإبان حقبة مبارك منحت الدولة للشركات التي رأسمالها ثلاثة ملايين جنيه فأكثر مميزات كثيرة منها الإعفاء من الضرائب لمدة خمس سنوات والإعفاءات الجمركية.
وخذ عندك:
فتح صالة كبار الزوار لرئيس مجلس الإدارة بالمطار عند السفر والوصول وكذلك عند توديع واستقبال ضيوفه وذلك من خلال خطاب من الشركة يقدم لهيئة الاستثمار، وتقوم الهيئة بإرسال إخطار للمطار.
يحق لرئيس مجلس الإدارة إحضار ثلاثة تابعات (خادمات) من الخارج، غالباً من سيريلانكا أو بنجلاديش أو الفلبين أو إثيوبيا.
وتتخذ هيئة الاستثمار الإجراءات لإحضارهن بعد الموافقات من الجهات المعنية، وتنتهي بالجوازات التي تسمح بمنحهم التأشيرات للدخول بالمطار.
طبعاً يفضلون التابعات من هذه الدول لأن مرتباتهن ضئيلة، ويحصلن على إجازة بعد مرور عامين أو أكثر، ولن ينقلن أخبار الأسرة التي يعملن عندها، وهذا هو المطلوب.
ووصلت الأمور إلى حد قيام رئيس مجلس إدارة بإهداء تابعة لصديق، وغالباً يكون مسؤولاً.
مع تفشي إحضار أصحاب شركات لتابعات، ظهر أسلوب الإغراء للتابعات أثناء تواجدهن بالنوادي الـ ٧ نجوم مع أسرة رجل الأعمال أو أطفاله، فتقوم التابعة بمغافلتهم والذهاب مع من أغراها بمرتب ومميزات أفضل.
وكان ما يتبعه بعض رؤساء الشركات أو جميعهم قبل انتهاء الخمس سنوات بالإعفاء من الضرائب لشركتهم، يقومون بإنشاء شركة أخرى باسم جديد وبنفس النشاط ليستفيدون بالإعفاءات الضريبية خمس سنوات أخرى.
ومن المضحك كان يسمح لهم باستيراد سيارات فاخرة معفاة من الجمارك لزوم انتقالات كبار العاملين لديهم، وكانت هذه السيارات تحمل لوحات مرور (نقل).
وبرغم اشتراط أن يقودها سائق مؤمّن عليه بالشركة، إلا أن من كان يقودها رئيس الشركة وأفراد عائلته أو أحد كبار موظفيها.
وكان إنشاء شركة باسم جديد وبنفس النشاط، للحصول مجددا على نفس المميزات، تتكرر كثيراً مع الأربع خطط الخمسية، مما أضاع على خزانة الدولة مبالغ خرافية.
ولم يكتفِ المستثمرون بالمزايا الممنوحة لهم، فراح بعضهم يترشح لمجلسي الشعب والشورى، وقاموا بشراء أصوات أنفقوا عليها ملايين الجنيهات من أجل الحصانة، كما تم تعيين البعض منهم المتزوجين من أصحاب السلطة. وآخرون لجأوا لتعيين أبناء وأقارب مسؤولين كبار بشركاتهم بمرتبات خيالية. وهؤلاء المعينون نوع من أنواع الحصانة.
أما العاملون الصغار بالقطاع الخاص فأغلبهم يتم تسخيرهم، لأن قانون العمل لا يحميهم، فساعات العمل المنصوص عليها بقانون العمل غير معمول بها، وإجازات الأعياد وأي إجازات تقررها الدولة لا تطبق على موظفي القطاع الخاص، ولا يحصلون على مقابل عملهم في الإجازات كما تعلن الحكومات عن ذلك.
وحتى العامل المتضرر الذي يلجأ للقضاء ينتهي به المطاف للندم بإقدامه على ذلك. ناهيك عن غير المؤمن عليهم بالقطاع الخاص.
وما سبق ما يستدعي تشريع قانون رادع، وخاصة من يهددون بإغلاق شركاتهم وتسريح العمالة، مثلما فعل المدعو الصفتي الذي كان مستشار عرفات، الرئيس السابق لمنظمة التحرير الفلسطينية، حيث أقام مصنع سكر بطريق العاشر من رمضان، إن لم تخونني الذاكرة، وهدد بإغلاق المصنع ثم أغلقته وسرح العمالة.
والمفروض تشريع قوانين منظمة لعمل الشركات الخاصة، والأهم إعادة النظر في تنظيم وتطوير شركات القطاع العام لتصبح بإمكانياتها الضخمة منافس قوي للقطاع الخاص يحد من جشعه.
وذلك لأن الاقتصاد الحر اتضح أن أغلب ما فيه أبيح وبجح، ومحتاج لسعة بدموع شمعة في مكان معروف للعواجيز أمثالي.