طرح كاشف لمفكر عربى يفسر غياب “الرجل الثانى” الكفء فى دواليب الإدارة

كتب: عاطف عبد الغنى

 ما تزال أفكار ميكافيلي ذات صلة بالواقع الذى نعيشه حتى يومنا هذا، حيث لا زال العديد من السياسيين والزعماء ورجال الإدارة فى كافة المناحى يستلهمون أفكاره في ممارسة الأعمال، بل تفوقت بعض القيادات المعاصرة على أفكار ميكافيلي من خلال استغلال ضعف وسذاجة الآخرين.

ما سبق يصلح لأن يكون مقدمة لعرض ومناقشة ما ورد فى مقال المفكر العربى الشاب (السعودى) د. عبد الغنى الكندى، المنشور بالموقع الأليكترونى لصحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية، والمعنون بـ “قيادات مخادعة معاصرة تفوقت على ميكافيلي”.

لكن يصح قبل أن نمضى فى عرض المقال أن نشير إلى فكر ميكافيلي الذى يلخصه كتابه الشهير المعنون بـ “الأمير”، هذا الكتاب “الأمير” الذى مثّل علامة فارقة في تاريخ الفكر السياسي، حين فصل السياسة عن أي مرجعية أخلاقية أو دينية، فقد اعتبر ميكافيلي أن هدف الحاكم هو الحفاظ على السلطة وضمان استقرار الدولة، وأنّ تحقيق ذلك قد يتطلب اللجوء إلى وسائل غير أخلاقية في بعض الأحيان.

ساهم كتاب “الأمير” بشكل كبير في إرهاصات عصر النهضة الأوروبية، حين مثّل بما حواه نقلة نوعية في الفكر السياسي، وفتح الباب أمام نقاشات جديدة حول دور الأخلاق في السياسة، كما أنّ أفكار ميكافيلي حول السلطة والقوة والمصلحة كان لها تأثير عميق على سلوكيات الحكام والسياسيين في تلك الفترة.

والآن نسأل، ما انعكاس هذا الفكر الميكافيلي على الحاضر الذى تعيشه مجتمعاتنا العربية؟

باختصار يتناول عبد الغنى الكندى فى مقاله  ظاهرة صعود قيادات سياسية وإدارية ضعيفة وساذجة في الوقت المعاصر، على الرغم من أفكار ميكافيلي حول ضرورة امتلاك القائد للقوة والذكاء.

ويذهب الكندى إلى أبعد من ذلك حين يقرر الآتى:

أولاً: فشل ميكافيلي في توقع بعض السيناريوهات مثل احتمال انتصار قائد ضعيف، فقد ينجح قائد ضعيف في الوصول إلى السلطة من خلال استغلال سذاجة الآخرين أو بفضل الحظ.
لقد فات “صاحب الأمير” أن يتطرق إلى دور السذاجة في الوصول إلى السلطة، فقد يلعب ضعف الفكر وقلة الحكمة دورًا في وصول بعض القادة إلى المناصب.
ولم يناقش ميكافيلي سمات الوكلاء الذين ينفذون أوامر النخبة، وحين يختار القادة الأقوياء شخصيات ضعيفة وساذجة لتنفيذ خططهم دون خوف من التمرد.

ثانياً: يسرد الكندى سمات القيادات الضعيفة والساذجة فى التبعية المطلقة لمن يملكون القوة والسيطرة، حيث ينفذون أوامر رؤسائهم دون تفكير مستقل.
ولأنه لديهم شغف عميق بالسلطة، تسعى القيادات الضعيفة والساذجة للتسلق على درج السلطة على حساب المصلحة العامة لتحقيق مصالحهم الخاصة.
يلجئون إلى هذه الحيل لأنهم يفتقرون إلى القدرة على التفكير النقدي واتخاذ القرارات السليمة، ويسعون لتحقيق أكبر قدر من المكاسب الذاتية على حساب الآخرين، ويغلرون من نجاحهم فلا يتحملون رؤية الآخرين ينجحون، وهم متجردون من النزعة الإنسانية، ويفتقرون إلى الرحمة والشفقة، ومصابون بالنرجسية المتضخمة، حيث يعتقدون أنهم أفضل من غيرهم.

ثالثاً: يؤكد الكندى أن القيادات القوية تستغل هذه الشخصيات، حين تستخدمها كبش فداء، تتحمل عنها مسؤولية الأخطاء والفشل.
وتدفع القيادات القوية مثل هذه الشخصيات إلى واجهة الوظائف القيادية لتنفيذ أجندتهم الخفية.
بل يذهب الكندى للقول إنه إذا لم تتمكن القيادات القوية من العثور على شخصيات ضعيفة وساذجة جاهزة، تسعى إلى أن تصنعهم وتوجدهم.

رابعاً: يضرب الكندى أمثلة على استغلال القيادات الضعيفة والساذجة فى المجالات المختلفة وتفصيلاتها كالتالى:

في السياسة: استخدام قادة دينيين ضعيفين لتمرير أجندة سياسية سرية.
في المعارضة: استخدام معارضين ضعيفين وساذجين من قبل قوى خارجية.
في العلاقات الدولية: استخدام دول ضعيفة من قبل دول مركزية كبرى.
في المؤسسات: استخدام موظفين ضعيفين وساذجين من قبل رؤسائهم.

خامسا: نفتبس من مقال المفكر العربى الشاب قوله تعقيبا على ما سبق: “فالقيادات الإدارية التي تتطلع إلى تمرير مشروعها الخاص بعيداً عن الأضواء ومن وراء الكواليس المظلمة والأبواب المغلقة غالباً ما تحرص كل الحرص على ألا تمتلك الشخصيات المُوكلُ إليها أداء المهمات القذرة، القوة بما يفوق بأس مُوكِّلها أو سيدها، وأن تكون على درجة مفرطة من السذاجة التي تجعلها تتوهم أن وصولها إلى القيادة نابع من مقومات حقيقية ترتبط بالحظ أو الكفاءة أو الذكاء (النذالة بفهم ميكافيلي)، وليس نتاج حماقة ذاتية أو ترتيبات وظيفية تُفضي إلى التضحية بنفسها وبفريق عملها الجماعي أو بالمؤسسة كلها”.

وأخير: ينتهى الكندى إلى التأكيد على أن نماذح القيادات الإدارية المخادعة التي تستغل ضعف عملائها وتوظف رغباتهم الحمقاء في الوصول إلى المراكز المتوسطة والعليا، عديدة، أو كما يقول الكاتب: “غير محدودة”.. فهل يفسر هذا غياب “الرجل الثانى” الكفء فى دواليب الإدارة فى مجتمعاتنا؟!.. الإجابة: نعم، فالقيادات الإدارية المخادعة لا تسمح للكفاءات، فى الإعلان عن نفسها بالعمل، وتقتل وظيفيا كل كفاءة بازغة فى مهدها، حتى لا تكبر وتمثل خطر عليها أقصد على الكرسى الذى تجلس عليه، وكاتب هذه السطور عانى للأسف من هذه القيادات أشد المعاناة، لكن بالتأكيد معاناة بلادنا أشد بسبب هؤلاء الأبالسة “الإداريين”.

……………………………………..

رابط مقال د. عبد الغني الكندي:

https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A/5005906-%D9%82%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%AE%D8%A7%D8%AF%D8%B9%D8%A9-%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B5%D8%B1%D8%A9-%D8%AA%D9%81%D9%88%D9%82%D8%AA-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%85%D9%8A%D9%83%D8%A7%D9%81%D9%8A%D9%84%D9%8A

طالع المزيد:

فريدمان ينقل أفكار الكندى السعودى عن تأثير المملكة على الانتخابات الأمريكية

عن الأسود والأرانب ودوامة العنف فى غزة واللعبة الصفرية.. عبد الغنى الكندى يكتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى