محمد قدرى حلاوة يكتب: « شالله يا ست »

بيان

طوفان من البشر البسطاء كانوا يأتون إلى شارعنا بحي ” السيدة زينب” بضعة أيام كل عام ثم يرحلون.. ينصبون خيما بسيطة من القماش ينامون تحتها.. وهم يوقدون المواقد وتتصاعد رائحة الطعام و أبخرة برادات الشاي لتملأ الأجواء.. يعلو أصوات أجهزة التسجيل بالمدائح وروايات السير الشعبية.. وينتشر الزحام والضجيج في أيام تخلو من النوم ويحلو فيها السهر.

من وسط الميدان كانت تأتي صيحات الميكروفات عالية صاخبة.. ” المعلم سعيد بيضحي.. الوجبة بربع جنيه”.. ليرد عليه نداء أخر ” إحنا الأصل.. كل اللي نفسك فيه بريال (عشرون قرشا).. كله عشانك يا ست”.. وكانت الموائد تمتد في الميدان والشوارع الجانبية.. ويجلس عليها ألاف البشر والعابرين يلوكون الطعام ويشربون المشروبات ويجشأون أحيانا.. والنادلون لا يتوفقون عن الحركة وتلبية الطلبات وبعض الصبية يقفون لإجتذاب الزبائن والنداء عليهم.

سرادقات الفراشة منصوبة هنا وهناك.. بينما يقف أحد المنشدين يرتدي جلبابا نظيفا ويمسك بيده بمكبر الصوت وهو ينشد المدائح في آل البيت.. بينما إلتف حوله حشد من المريدين يتمايلون بأجسادهم وتذهب رؤوسهم يمينا ويسارا.. ويستمر “الدراويش” و “أتباع الطرق” هكذا في حركة دائبة ولا يتوقفون عن حركتهم الدائبة سوي حين يتوقف المنشد أو يتهالكون من التعب.

أمام المسجد وضريح ” السيدة زينب رضي الله عنها وأرضاها” يقف جيشا من الباعة الجائلين الذين يبيعون المسابح والحلى النحاسية والحلوي والأطعمة الدسمة الرخيصة.. ويكاد باب المسجد والضريح أن يكون مسدودا من الزوار والمريدين.. ومن يسعده الحظ بالدخول لا يستطيع أن يتقدم سوي خطوات قليلة من كثرة المصلين والجالسين والنائمين داخل المسجد.. والمتوسلون المتمسحون بالضريح.

قوم من البسطاء يشدون الرحال كل عام من قرى وصعيد مصر.. قادمين ملبين.. يحملون همومهم وآلامهم.. يسكنهم اليقين أنهم حين يبثون همهم وشكواهم وهم متعلقون بقضبان الضريح يتوسلون دامعي الأعين.. سيأتي الحل والفرج ويعودون إلى قراهم مجبوري الخاطر.. ساكني الوجدان.. وهم يهتفون من قلوبهم “شالله يا ست”.

قوم أخرون من الباعة وأصحاب الحوانيت والمتسولين وبعض الفهلوية… يجدون في المولد فرصة عظيمة لكسب الرزق وتحقيق الأرباح.. و يتحدثون هم الآخرون عن كرامات الأولياء.. وكم يضحون من أجل مريديهم.

وهكذا تدور دورة الحياة.. قوم بسطاء يتمنون ويرجون يسكنهم الأمل.. وقوم منتفعون وسدنة وكهان يتاجرون ويربحون من الآمال والأحلام.. ومولد ينصب وينفض كل حين وعام.. و البسطاء لا يجنون ثمرة أحلامهم أبدا.. ورغم ذلك لا يكفون عن الحلم والأمل والتوسل.. عله يتجسد واقعا يوما.. أو يسبقهم الأجل.

اقرأ أيضا للكاتب:

محمد قدرى حلاوة يكتب: الزائر الجديد

زر الذهاب إلى الأعلى