محمد أنور يكتب: شهر رمضان معجزة إصلاحية اجتماعية

بيان

تنشأ الرحمة من الألم وذلك من قواعد النفس، وهذا بعض السر الاجتماعى العظيم في الصوم، نظام دقيق لمنع الغذاء وشبه الغذاء عن البطن وحواشيها لمدة زمنية آخرها آخر الطاقة، بالصوم أسلوب وطريقة لتربية الرحمة في النفس وتهذيبها للبطن، ومنعها البطن لذتها وتغذيتها، فيحول بين هذا البطن، وبين المادة ليجعل الناس جميعهم سواء في حالة نفسية واحدة تتلبس بها النفس في مشارق الأرض ومغاربها، وتطلق الإنسانية كلها روح الرحمة والمودة والمساواة بين الغنى والفقير ويطمئن الفقير إلى الغنى بطبيعته.
لا عجب في أنها معجزة إصلاحية تقضي أن يحذف من الإنسانية كلها تاريخ البطن ثلاثين يوما في كل سنة، ليحل فيها تاريخ النفس، وترمم الأجهزة العصبية بالصبر والعزم والإلتزام، وتنتفخ العروق في النصف الأول من الشهر، كأنها في مد من نور القمر مادام هذا النور إلى زيادة، ثم يراجعها الجزر في النصف الثاني كأن الدم يضئ ويظلم.

وما الحكمة في أن يكون الصيام شهرا قمريا دون غيره ؟ وأى معنى في وجوب الصوم لرؤية دقيقة للهلال وإعلانها ؟
كأنه شعاع سماوي انبعث لكى ينبه الإنسانية لفروض الرحمة والبر والصوم، وتربية الإرادة وتقويتها بأسلوب عملى.

يمتنع فيه الصائم باختياره عن شهواته ولذاته الحيوانية، متهيئا بعزيمة، وصابر بأخلاق الصبر، وثبت أن للقمر أثرا في الأمراض العصبية، وفي مد الدم وجزره، وهى حكمة في أن يكون الصيام شهرا قمريا.

معجزة إصلاحية بإرادة عملية ومنزلة اجتماعية ساميه، الصوم فوق منزلة العلم والذكاء عند الإنسانية، فانظر في أى قانون من القوانين الإنسانية، وفي أى أمة من الأمم، تجد ثلاثين يوما من كل سنة قد فرضت فرضا لتربية إرادة الإنسانية ومزوالة فكرة نفسية واحدة بخصائص حتى تستقر وترسخ وتعود جزاء من عمل الإنسانية، لا خيالا يمر برأسه.

وتكون بمثابة ثورة في العالم كله لو عم هذا الصوم الاسلامى أهل الأرض جميعا، لتطيهر العالم من رذائله، واختبار معنى الفقر ومعانى الصبر والعزيمة والإرادة.
يبلغ أهل الأرض درجة من درجات الإنسانية في الإحسان والمساواة، وتفهم الحياة على وجه آخر غير وجهها الكالح، نرى الحياة فارغة من شهواتها كما فرغ الناس منها، وألزمت الحياة معانى التقوى والرحمة كما الزمها أهل الأرض.
ما أجمل أن تظهر الحياة في العالم كله – لو يوما واحدا – حاملا راية الرحمة وفكرة الخير والحق في النفس، أنه فصل كفصول الطبيعة في دوارانها، وإمداد الحياة في هذا الفصل بالوسائل التي يدخرها الإنسان عند الشدائد، كالصبر والثبات والعزم والجلد، فيه نظاما عمليا من أقوى الأنظمة الاشتراكية الصحيحة.

اقرأ أيضا للكاتب:

محمد أنور يكتب: أطلب وآمن ثم تلق

محمد أنور يكتب: اللغة والأسطورة والفن

 

زر الذهاب إلى الأعلى