أحمد أبو بيبرس يكتب للتاريخ: إنجازات عبد الناصر (1) الجلاء

بيان
فى قضية الجلاء ….
كيف حقق الزعيم جمال عبد الناصر جلاء الإحــتلال البريطانى عن مصر وحده فيما يشبه المُعجزة، وقد فشل كل الساسة المصريون طوال 74 عاما قبله فى الوصول إليها ؟!

منذ دخول الإنجليز مصر عام 1882 وكان حلم الشعب المصرى هو تحقيق الإستقلال عن بريطانيا وقدم الشعب ألوف الشهداء منذ ثورة 1919 والمظاهرات والإنتفاضات اللاحقة عليها وقد شارك فى بعضها الزعيم الخالد جمال عبد الناصر منذ ان كان صبيا صغيراً فى الثانية عشرة من عمره

1 ــ الخطوة الأولى طرد الملك 26 يوليو 1952 …
جاءت هذه الخطوة الموفقة الظافرة كأول مسمار يدق فى نعش الإحتلال لأنه بقيام الضباط الأحرار بتحقيق هذه الخطوة قطعوا على الإحتلال حجة أساسية من أسياب وجوده فى مصر الا وهى حماية رأس الحكم سواء كان خديوى أو سلطان أو ملك أيا كان فقد إحتل الإنجليز مصر تحت حجة حماية وتأمين عرش الخديوى توفيق الخائن عام 1882 ومنذ يومها وكل حاكم من أبناء أسرة محمد على يأتى للحكم بتدخل مباشر من سلطات الإحتلال البريطانى سواء السلطان حسين كامل أو المك فؤاد عام 1917 وكل حاكم يتم خلعه عن عرش مصر مثل الخديوى إسماعيل عام 1879 و الخديوى عباس حلمى الثانى يكون بأوامر بريطانية مباشرة لكن طرد فاروق خارج البلاد أنهى حجة رئيسية من أسباب بقاء الإنجليز فى مصر

2 ــ الخطوة الثانية ..صدور قانون الإصلاح الزراعى 9 سبتمبر 1952 ..
اللورد كرومر المعتمد البريطانى فى مصر الحاكم والحقيقى للبلاد يصف طبقة الباشوات ملاك الأراضى الزراعية بأنها (تحمى المصالح البريطانية فى مصر كما يدافع عنها الأسطول البريطانى ) الطبقة الرأسمالية الإقطاعية الحاكمة إرتبطت مصالحها مع الإستعمار برباط قوى لاينفصم فكان ثانى إنجاز لجمال عبد الناصر وصحبه بعد خلع الملك إصدار قانون الإصلاح الزراعى الأول الذى أعاد للفلاحين حقوقهم فى المقام الأول وجرد الإستعمار من نفوذ طبقة إستمدت وجودها من وجوده وفقد الإحتلال البريطانى فى مصر البطانة الداخلية السياسية الإقطاعية إستمد منها جزء من شرعيته

3 ـــ الخطوة الثالثة .. حل الأحزاب السياسية فى 16 يناير 1953
وصلت الأحزاب السياسية التى كانت قائمة فى مصر إلى درجة متهالكة من الفساد والترهل والسوء فقد ساهمت هذه الأحزاب فى تزكية الصراع على كراسى الحكم أو الصراع مع الملك مما أعاق الكفاح الوطنى وصرفه عن هدفه الأساسى فى المطالبة بجلاء الإنجليز عن مصر فقد كانت دسائس المك والإنجليز تفرق ولا تجمع الأمة فقد سمح الإنجليز بإقامة تجربة الأحزاب السياسية فى مصر ليس حبا فى الديمقراطية وليس إيمانا بحق الشعب فى إختيار ممثليه أو إستساخ الديمقراطية البريطانية العريقة فى مصر كما توهم أنصار العهد الملكى فقد كانت تجربة مُبتسرة أضرت الحياة السياسية إذ كان هدفها الرئيسى بذر بذور الخلاف والتطاحن الحزبى بمصر فقد كانت أهداف الأحزاب متباينة فمنها ما كان مع الملك ومنها ما كان موالساً للإنجليز ومنها ما إنشغل بالمطالبة بالدستور قبل الجلاء التام وكل ذلك كان يصب فى مصلحة الإنجليز بشكل غير مباشر
لذا عندما حل مجلس قيادة الثورة الأحزاب السياسية وجد الإنجليز أنفسهم أمام جبهة سياسية متحدة متماسكة تقف فى وجوههم بصرامة وتطالبهم بالجلاء التام عن مصر دون ان يكون بينهم من يمكن إستمالته أو خداعه كما كانوا يفعلون فى السابق

4 ــ الإقرار بحق تقرير المصير للسودان
منذ ان إحتلت بريطانيا مصر عملت على فك إرتباط مصر بالسودان منذ عام 1899 حينما رسمت الخط الفاصل بينهما وفرضت حاكم إنجليزى للسودان وطردت بقايا الجيش المصرى نهائيا من السودان عام 1924 واصدرت تصريح 28 فبراير 1922 الذى فرض حكم السودان من جانب إنجلترا بشكل إجبارى وعند إعلان دستور عام 1923 خلا منه اى نص يشير لحقوق لمصر فى السودان وكذلك منعت سلطات الإحتلال نهائياً أى ملك أو خديوى من أن تطأ قدمه أرض السودان أو يكون لها حتى ممثل عنها فى البرلمان المصرى
لذا كانت المفاوضات السابقة بين الساسة المصريين وبين الحكومة البريطانية لتحقيق الجلاء تتعثر كل مرة بسبب التعنت البريطانى حيال مسألة المطالبة بالجلاء عن وادى النيل ( مصر والسودان) مما يجبر الساسة المصريين على قطع المفاوضات وبقاء الإنجليز فى مصر
وعندما وصل عبد الناصر للحكم وقرر إستئناف المفاوضات مع الإنجليز ء وضع الإنجليز العراقيل فى مشكلة السودان مع جمال عبد الناصر لإفشال المفاوضات إلا أنهم فوجئوا بعبد الناصر يتجاوز هذه العقبة بمرونة سياسية غير متوقعة وطالب بالجلاء عن السودان قبل مصر نفسها وحتى عندما تشدد الإنجليز فى منح حق تقرير مصير السودان لم يعترض عبد الناصر على أن تتم الوحدة فورا بين البلدين بمجرد إنسحاب الإنجليز عن وادى النيل تماما لكن كان للإخوة السودانيين رأى أخر ورفضوا قيام الوحدة مع مصر ـ وهذا شأنهم
ألا أنه لا ينكر جهد جمال عبد الناصر فى تحقيق الجلاء البريطانى عن السودان مثل جلائهم عن مصر وربما حتى قبلها فى فبراير 1953 حيث كانت السودان تقف حجر عثرة وتتسبب فى إطالة مدة الإحتلال لمصر

5 ــ إستخدام الضغط العسكرى على الإنجليز …
بدأت مفاوضات الجلاء بين ثورة يوليو وسلطات الإحتلال البريطانى عام 1953 بعدا أن ترسخت سلطة ثورة يوليو وتم طرد الملك وتطبيق قانون الإصلاح الزراعى وكلما رأى عبد الناصر تعثر المفاوضات بينه الإنجليز لتحقيق الجلاء بغرض المماطلة وكسب الوقت أصدر تعليماته للوحدات الفدائية العسكرية المصرية بشن حرب إستنزاف مؤلمة ضد الجيش البريطانى والقيام بعمليات إزعاج شملت خطف جنود وضباط بريطانيين وبث الألغام ومهاجمة الدوريات البريطانية ونسف المعسكرات البريطانية حتى يدرك العدو ان بقاؤه مستحيل وكانت هذه هى حرب عبد الناصر العسكرية الأولى بشكل مباشر ضد الإستعمار.
وسرعان ما أتت هذه السياسة ثمارها ووافقت القيادة البريطانية على توقيع إتفاقية الجلاء التام عن مصر فى 19 اكتوبر عام 1954 على ان يتم الرحيل عن القواعد العسكرية فى قناة السويس خلال عامين.

وقد تم رفع علم مصر على مبنى البحرية فى بورسعيد وكان اخر مبنى يسلمه الإنجليز للمصريين فى 18 يونيو عام 1956
( وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا ) ـ سورة الحشر
ولم يكن هناك مفر من الإطالة عليكم لحصر الخطوات والإستراتيجيات التى إتيعها النيزك الكاريزمى الخارق جمال عبد الناصر بذكاؤه وبعد نظره السياسى وبراعته السياسية رغم صغر سنه نسبيا فى تحقيق الجلاء عن مصر بعد ان فشلت فى ذلك كل القوى السياسية السابقة .

اقرأ أيضا:

زر الذهاب إلى الأعلى