طارق صلاح الدين يكتب: إيران ليست في مفترق طرق
بيان
حبس العالم أنفاسه لساعات بعد الإعلان عن فقدان طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسى والوفد المرافق له وعلى رأسه وزير الخارجية حسين أمير عبدالله يان حتى أصدرت إيران بيان رسمى بتحطم المروحية ومصرع جميع ركابها.
وانطلقت التساؤلات بسرعة بعد الإعلان وظهرت أصوات يؤكد بعضها أن الحادث مدبر داخليا ويؤكد البعض الآخر أن الحادث مدبر خارجيا في إشارة إلى إسرائيل.
وعلى الفور أمر رئيس الأركان محمد باقرى بفتح تحقيق فى أسباب تحطم المروحية وكلف وفدا رفيع المستوى يضم خبراء و عسكريين لإجراء التحقيق.
وأرجح أن الحادث ليس مدبرا نظرا بالفعل لسوء حالة الطقس الذى استمر طوال ساعات البحث عن المروحية كما أن إيران شهدت على مدار السنوات الماضية العديد من الحوادث المماثلة نظرا لتراجع كفاءة الأسطول الجوى المدنى لحساب تصنيع المسيرات التى توليها إيران الأهمية القصوى بالإضافة إلى العقوبات التقنية التى تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي على إيران بسبب برنامجها النووي.
وتأتى على قمة حوادث سقوط طائرات المسؤلين الإيرانيين حادثة سقوط مروحية وزير الرياضة الإيراني حميد سجادى فى مارس ٢٠٢١ أثناء هبوطها في المجمع الرياضى فى محافظة فارس وتوفى إسماعيل أحمدى مساعد وزير الرياضة فى هذه الحادثة.
وفى عام ٢٠٠٥ لقى قائد القوات البرية للحرس الثوري الإيراني أحمد كاظمى مع عدد من قادة الحرس الثوري مصرعهم جميعا.
وفى مايو ٢٠٠١ تحطمت طائرة وزير النقل الإيراني رحمن دادمان فى شمال إيران ولقى عدد من نواب البرلمان ومساعدى بعض الوزراء مصرعهم.
وفى عام ١٩٩٤ قتل قائد القوات الجوية منصور سارى ومعه كبار ضباط القوات الجوية فى تحطم طائرة فى أصفهان.
ولذلك فعندما نضع حادثة سقوط طائرة الرئيس إبراهيم رئيسى فى سياق هذه الحوادث نجد أن الأمر يميل إلى المنطقية عندما ننسبه إلى حالة الطقس.
وبنظرة أكثر دقة للأحداث فإن إبراهيم رئيسى لم يكن يشكل خطرا داخليا لأى طرف مؤثر يستوجب التخلص منه وخاصة مع تأييد المرشد على خامنئي له فى الإنتخابات الرئاسية الأخيرة.
وخارجيا فإن قتله لن يضيف أى نصر لإسرائيل يؤثر على سياسات إيران تجاه محور المقاومة.
إيران تتميز بأنها دولة لها أيديولوجيات واستراتيجيات محددة المعالم وبدقة لاتسمح بالالتفاف عليها أو عدم تنفيذها على الوجه الأكمل ولاتتأثر مطلقا بغياب أشخاص بل على العكس فإن الأمور تسير بشكل أفضل فى كثير من الأحيان، فعندما غاب الخمينى المرشد الأول عن المشهد توقع الكثيرون اندثار الدولة الإيرانية ولكن الأمر تغير إلى الأقوى مع خامنئي.
وعندما توقع البعض ضعف الدور الايرانى بعد مصرع قاسم سليماني تحولت إيران إلى دولة محورية تقود محور مقاومة بتدفق لوجيستى إلى جميع الجبهات مع خليفة سليمانى فى قيادة الحرس الثوري وهو رجل الظل إسماعيل قان الذى لايعرفه الكثيرون.
فى قناعاتى الشخصية أجد أن غياب وزير الخارجية حسين أمير عبدالله يان أصعب كثيرا وافدح على إيران من غياب رئيسى لأن عبدالله يان كان يقود الجبهتين الدبلوماسية واللوجستية منذ السابع من أكتوبر لأن دور الحرس الثوري ينشط في أوقات السلم وتنشط الدبلوماسية فى أوقات الحرب ولكن عبدالله يان نجح في لعب الدورين معا عن طريق جولاته المكوكية وتوجيهاته لحزب الله وجبهات العراق واليمن ولذلك أتوقع مرور بعض الوقت كى تستعيد إيران عافيتها في هذا المجال.
وعلى صعيد الأوضاع الدولية لا أعتقد أى تغيير في السياسة الإيرانية التى تتبع سياسة حافة الهاوية والإبقاء دوما على شعرة معاوية مع الجميع سواء فى العداء لأمريكا أو التقارب مع دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات العربية المتحدة.
حزب الله سيظل جوهرة التاج الإيرانى وسيسير دعمه اللوجيستى بشكل أكبر من السابق.
المتوقع أيضا ميل الرئيس القادم ووزير خارجيته إلى مزيد من التشدد لإثبات عدم التراجع عن السياسات السابقة بل الإصرار على المضى فيها بشكل أكبر.
المشكلة الحقيقية التى تواجه إيران فى فقد إبراهيم رئيسى هى تقدم السن بالمرشد على خامنئي واختيار خليفة له يكون بنفس القوة والتأثير وهو ماكان يعتقد الكثيرون أن رئيسى كان البديل الجاهز للمرشد والذى كان يستحوذ على ثقته الكاملة.
التحدى هو البقاء على نفس توجهات خامنئي بعد غيابه عن المشهد وعدم التحول إلى مايسمى بالتيار الإصلاحى الذى يسعى إلى تغيير جذرى فى السياسات الإيرانية بما قد يؤثر وبشدة على مكانة وقوة إيران الحالية.
أعتقد أن إيران قادرة على تجاوز الحدث الذى يعتبر أقل وطأة من حادث مصرع محمد على رجائي رئيس إيران الثانى فى ٣٠اغسطس ١٩٨١ مع رئيس وزراءه محمد جواد بهونار فى انفجار بمبنى مجلس الوزراء الإيراني ويومها فقدت إيران الرئيس ورئيس الوزراء فى لحظة واحدة ولكنها استعادت عافيتها بقوة مرشدها الإمام الخمينى والذى أعتقد أن خليفته على خامنئي اليوم ليس أقل قوة منه وقادر على تجاوز الموقف بأكمله وهو العنصر الفارق الحقيقى الذى لحسن الحظ الإيراني أن هذا المرشد موجود لأن هذا الحادث إذا افترضنا حدوثه بعد رحيل خامنئي لواجهت إيران تحديات لاقبل لها بها.