زيزي طيبي تكتب: أيا ليت الزمان يعود يومًا
بيان
اللعب مع أصدقاء وصديقات الطفولة، والجلوس مع مَن فقدناهم من الآباء والأمهات والأخوات والأجداد.. السير في طرقات الحارات والشوارع العتيقة، الضحكات الصافية التي كانت تنطلق من القلب.
الاستماع إلى أغنية الرومانسية- أيضا -الشعبية الهادفة وليست اغاني المهرجانات والإسفاف التي انتشرت بشكل مريب… إلخ، كل تلك من صور الماضي المشرقة التي ما زالت عالقة داخلنا حتى الآن.
ترتسم الابتسامة بطريقة لا شعورية عندما نسترجع شريط ذكريات الزمن الجميل،
مَن منا لا يمتلئ قلبه بالفرح والسرور عندما يقابل جيران وأصدقاء الطفولة ومرحلة الشباب بعد سنوات طويلة من الغياب؟ ومَن الذي لا يشعر بتسارع نبض قلبه عندما تشاء المصادفة أن يمر أمام الحضانة أو المدرسة التي شهدت أجمل أيام حياتنا.
هذه الحالة يطلق عليها الماضي والحلم الجميل، أكثر ما يمكن أن تطالعه الآن على مواقع التواصل الاجتماعي، هو حكايات وقصص وصور وأغنيات ومقاطع فيديو تنتمي كلها إلى ما يُطلَق عليه «الزمن الجميل»، مصحوبةً برثاء لتلك الأيام الراحلة، وعدم الرضا والقبول والارتياح للزمن الحالي.
يقول مواليد تلك الفترة إن فترة الثمانينيات كانت هي الأجمل، ويشاركون نكاتًا من مسرحيات «العيال كبرت»، و«المتزوجون»، و«شاهد ما شافش حاجة». يشاركون صور «عمو فؤاد»، و«شريهان»، و«بوجي وطمطم». يشاركون أغنيات ﻟ «حسن الأسمر»، و«علاء عبد الخالق»، و«حسام حسني».
يشاركون مقاطع فيديو من «فوازير نيللي»، و«تاكسي السهرة»، و«بقلظ وماما نجوى».
كل شيء يصبح قابلًا للمشاركة، حتى صور الألعاب التي انقرضت، وأغطية زجاجات الكولا، وأغلفة الحلويات، وشكل الملابس، والحنين؛ الحنين الذي لا ينفد إلى تلك الأيام.
والبعض يقول إن الزمن الجميل كان في الخمسينيات والستينيات، بعضهم ينتمي إليها وجدانيًّا وسياسيًّا، وبعضهم عاش فيها صباه؛ شاهَدوا الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ، وشاهدوا الدور الأعظم لمصر في تلك الفترة وهو يمتد من المحيط إلى الخليج، شاهَدوا صعود نجوم مصر الأبارز: نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وطه حسين، وصلاح عبد الصبور، وعبد الوهاب، وأم كلثوم، وعبد الحليم.
شاهدوا قوى مصر الناعمة وهي تمتدُّ وتؤثِّر، شاهَدوا الحلم العربي والقومي وهو يتصاعد ويعلو، ومصر الحديثة وهي تُبنَى عبر مئات المشاريع والمصانع.
كثيرون ما زالوا يحلمون بأن يعيشوا في تلك الفترة..
البعض الآخر يعتبر أن فترة الثلاثينيات والأربعينيات هي الأفضل، هي الزمن الجميل الذي لن يتكرر، وبالطبع ذلك تم تجسيده بشكل رائع بمسلسل عمر أفندي والسرداب السري، الذي يعود بنا إلى حقبة زمنية مليئة بالجمال والرقي ويتذكرون بدايات كل شيء جميل في مصر: بدايات السينما، والإذاعة، وجامعة القاهرة، والوحدة الوطنية، و«الشياكة» في الزِّيِّ، والشوارع الهادئة النظيفة، ونجوم مصر الأبارز في السينما والمسرح: يوسف وهبي، وأمينة رزق، وسليمان نجيب؛ وفي الكتابة مثل: العقاد، وطه حسين، وأحمد لطفي السيد.
يتحدثون عن ليبرالية حقيقية وتعددية حزبية حقيقية وُلِدَتْ في ذلك الزمن، وكان يمكن — إذا استمرَّتْ — أن تضع مصر في مصافِّ الدول الديمقراطية.
وهذا لا يعني ان تلك الحقب الزمنية لا تخلو من الأحداث المريرة على جميع الصاعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ما الذي يعنيه كلُّ هذا؟ إنه لا يعني إلا أن كل زمن هو جميل وقبيح في نفس الوقت، فقط يرتبط الأمر دائمًا بزاوية نظرتنا إليه، بحنيننا إلى الماضي، باللحظة التي كانت بين أيدينا وذهبت ولن تعود أبدًا، يرتبط برفضنا لواقعنا.
مفهوم الزمن الجميل يرتبط في الأساس بحنيننا لطفولتنا.
أعرف بلادًا ما زالت تصنع الزمن الجميل كلَّ يوم، كلَّ يومٍ تُضيف شيئًا جديدًا إلى تراث الإنسانية، وأعرف أشخاصًا يصنعون سعادتهم بأنفسهم، وزمنهم الجميل كلُّ يوم، حتى لو كان ساعة في اليوم أو في الشهر أو في الأسبوع. الجميع يُصاب ﺑ «النوستالجيا» والحنين إلى الماضي.
كلُّ زمنٍ هو زمنٌ جميل، فقط يتوقَّف الأمر على زاوية رؤيتك له، وعلى كل حال يبقى المجهول الماضي في نظر الكثيرين هو الأجمل من الواقع المليئ بالتبعات والمسؤوليات، ولا تزال حقائق اليوم هي أحلام الأمس وأحلام اليوم هي حقائق الغد، وبين هذا وذاك نعيش ونكبر، قد ننجح أحيانًا ونخفق في أخرى، وهنا يتردد قول الشاعر: نعيب زماننا والعيب فينا .. وما لزماننا عيب سوانا، ويرد آخر بالقول: يعب الناس كلهم الزمانا .. وما لزماننا عيب سوانا!.