أسماء خليل تكتب: «أنا مش دَمج»
رأيتُها تبكي أثناء مروري بأحد الشوارع التي تحوي مجموعة من المدارس الابتدائية، كان وقوفها جوار الحائط مثيرًا للشفقة، وقد لفتت أنظار المارة بدموعها المنهمرة المتلاحقة وصوتها الرقيق، سرعان ما توقفت بشكل لا إرادي لأربت على كتفها، وقد أخذني الفضول لأعرف ما الذي انتباها وما أسباب بكائها المتواصل.
ما إن تكلمَتْ حتى عرفْتُ سبب حزنها الشديد؛ إن أصدقائها بالصف يُعيرونها ويقولون لها: “يا دمج” !!.
تتبعتُ قصتها فعلمتُ أن لديها “صعوبات تعلم”، وأن مستوى ذكائها منخفضًا عن زملائها، وتَتَّبعُ المدارس نظام فصل الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين يُصابون بدرجات متفاوتة من تلك الاعتلالات سواءًا المرتفعة أو المنخفضة، وهذا على عكس ما يشير إليه علماء النفس، وكذلك ما تُعنيه تلك الكلمة من تفسير.
إن “الدمج” المُشار إليه من قِبل المسؤولين؛ هو كيفية وضع هؤلاء الطلاب وسط أقرانهم العاديين، بما ينعكس عليهم من ارتفاع لروحهم المعنوية، وكذلك محاكاة سلوك وتصرفات زملائهم، فيجعلهم يتقدمون دراسيا.. وما يتم هو عكس المراد بجعل هؤلاء الطلاب في عزلة عن باقي الفصول، بل عن العالم؛ لأنهم سيتعلمون من بعضهم الصمت والجمود الفكري.
إلى متى ؟!..
إلى متى سيظل هناك مهمشون..لا يشعر أحد بحجم مشكلاتهم الحقيقية!!..إلى متى ستظل الدولة تسنُّ قوانينًا ويتبع الأفراد عكسها ولا يقومون بتنفيذها إلا بشكل ظاهري؛ خوفا على المناصب والترقيات؟!..إلى متى سيظل انعدام الضمير هو المتحكم بكل ما حولنا؟!..
ما ذنب تلك المسكينة وغيرها من أن يُعيرها زملائها بما لم تفعل!؟..وما أدرى هؤلاء الطلاب- الذين يرتكبون ذنبا لا يعرفون عواقبه – أن تلك الكلمة مُشينة ؟!..بالطبع قامت أمًٌ لا تملك قلبا أو معلمة ليس لديها ضمير بترسيخ معلومات خاطئة داخل هؤلاء الأطفال الأبرياء؛ وكل إناء ينضح بما فيه، بدلا من أن يقوموا بتعديل سلوكي لأبنائهم ويرشدونهم إلى أن الله تعالى هو من يرزق العباد بكل شيء من خير وشر، وهو أرحم بكل من على الأرض من أنفسهم، ويعرفونهم كيف يتعاملون مع ذوي الاحتياجات الخاصة ويرتكزون من منطلق أنهم إخوانهم وأخوتهم..
حينما نقوم بتوجيه نقدًا ما لما نراه؛ ليس معناه أن العالم سينصلح بالكُلِّية، ولكن عسانا – فقط – ونحن بطريقنا في تلك الحياة، ألا نكونَ أشواكًا تجرح زهورا بيضاء.