رشا ضاحى تكتب رحلة (١٧) العليم

تتواصل رحلتنا مع أسماء الله الحسنى ونتحدث اليوم عن اسم الله العليم

إن هذا الاسم يبعث في نفس الإنسان الأمن والطمأنينة

لأن العليم يعلم حاله وما يصلحه

ولأهمية هذا الاسم ورد في القرآن الكريم ١٥٧ مرة

وقد قرن الله تعالى بينه وبين بعض الأسماء منها:

اسمه الحكيــم قال تعالى :

﴿قالوا سُبحانَكَ لا عِلمَ لَنا إِلّا ما عَلَّمتَنا إِنَّكَ أَنتَ العَليمُ الحَكيمُ﴾ (البقرة: ٣٢)

فالعلم يؤدي إلى الحكمة وعلم الله تعالى مقرونًا بالحكمة، أي: وضع كل شيءٍ في مساره.

كما أقترن باسمه السميع قال تعالى:

﴿قالَ رَبّي يَعلَمُ القَولَ فِي السَّماءِ وَالأَرضِ وَهُوَ السَّميعُ العَليمُ﴾ (الأنبياء: ٤)

 لأن العلم يتم تحصيله عن طريق الحواس، وأقوى الحواس هي حاسة السمع

والعليم هو اسم متضمن للعلم الكامل الذي لم يسبقه جهل ولا يلحقه نسيـان  ، فهو سبحانه الذي يعلم تفاصيل الأمور ودقائق الأشياء ، وخفايا الضمير والنفوس ، ولا يغيب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ؛ فعلمه محيط بجميع الأشياء ظاهرها وباطنها، صغيرها وكبيرها، علمٌ بما كــــان، وما هو كــائن، وما سيــكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون .

وبعض الناس من منطلق اسم العليم يرددون

(اللهم علمك بحالي يغنيك عن سؤالي)

وهذا القول قول باطل، لأنه مناف للإيمان بالقدر، وتعطيل للأسباب، وترك لعبادة هي أكرم العبادات على الله عز وجل

وهي الدعاء  فالدعاء أمره عظيم وشأنه جليل، فبه يرد القدر، وبه يرفع البلاء، فهو ينفع مما نزل ومما لم ينزل.

قال عليه الصلاة والسلام “ولا يرد القدر إلا الدعاء “

قال ابن القيم

“إنّ اللهَ لَا يَتَبَرَّمُ بِإِلْحَاحِ الْمُلِحِّينَ، بَلْ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ، وَيُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، وَيَغْضَبُ إِذَا لَمْ يُسْأَلْ “.

وقد اسْتَأْثَرَ  سبحانه وتعالى بعلمه بمفاتيح الغيب الخمسة

﴿إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلمُ السّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيثَ وَيَعلَمُ ما فِي الأَرحامِ وَما تَدري نَفسٌ ماذا تَكسِبُ غَدًا وَما تَدري نَفسٌ بِأَيِّ أَرضٍ تَموتُ إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ خَبيرٌ﴾(لقمان: ٣٤)

وفي حديث ابن عمر – رضي اللَّه عنهما أن

رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم قال :   مفاتِيح الغيبِ خمس لا يعلَمها إِلا اللَّه : لا يعلم ما في غدٍ إِلا اللَّه ، ولا يعلم ما تَغِيض الأرحام إلا اللَّه ، ولا يعلم متى يأتي المطر أَحد إلا اللَّه ، ولا تدري نفس بأَيِّ أرضٍ تموت إلا اللَّه ، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا اللَّه تبارك وتعالى .

وبَيَّنَ تعالى قصورَ علم الخَلْق عن معرفة الغيب في قوله تعالى:

﴿وَعِندَهُ مَفاتِحُ الغَيبِ لا يَعلَمُها إِلّا هُوَ﴾(الأنعام: ٥٩)

ومن أثار الإيمان باسم العليم

 أولا خشية الله :

قال النبي صلى الله عليه وسلم :

(والله، إني لأعلمكم بالله عز وجل، وأتقاكم له قلبًا)

فلأن النبي صلى الله عليه وسلم هو أكثر الخلق علمًا بالله تعالى: كان الأكثر تقوى له وخشية، فكلما ازددت علمًا ازدادت تقواك، وتعاظمت خشيتك لله في علانيتك وسرك .

قال الله عز وجل

﴿ إِنَّما يَخشَى اللَّهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ﴾

(فاطر: ٢٨)

 أي إنما يخاف الله ويخشاه العلماء؛ لأنهم الأعلم بالله وحكمته في كونه، فكلما تكشَّفَتْ لهم حقائق الكون وأسراره ازدادوا لله خشية، ومنه مهابة وإجلالًا، وكفى بهذه الآية مدحًا للعلماء، حيث قصر الله خشيته عليهم.

ثانيا : طلب العلم

فالعلم أصلُ الخصال الشَّريفة، والعلم يَرْقَى بالإنسان إلى المنازل الرفيعة

قال ابن حزم: ( أجلُّ العلوم ما قَرَّبك من خالقِكَ تعالى، وما أعانك على الوصول إلىٰ رضاه )

ثالثا : التواضع

مهما بلغت من العلم، فهو قليــــل. كما جاء في قصة موسى عليه السلام والخضر لما رَكِبا السفينة:

 (فَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَقَرَ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ الْخَضِرُ: يَا مُوسَى، مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَنَقْرَةِ هَذَا الْعُصْفُورِ فِي الْبَحْر).

فإيـــاك أن تتكبَّر بعلمك

وإن أعجبك رجاحة عقل أحدهم ، وعلمه فتذكر أن ذلك ليس فضلا منه بل من فضل الله عليه .

حتى نلتقي دمتم في رعاية الله وأمنه

زر الذهاب إلى الأعلى