د. محمد ابراهيم بسيوني يكتب «شأن عام» : فقراء تركيا

بداية أنا لست رجل اقتصاد، وليست خبيراً، فأرجو المعذرة مسبقاً إن أخطأت التحليل أو الاستنتاج.

والموضوع هو هذا المثلث الذي تحدث عنه مؤخرا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والذي ذكر فيه أن ”بلاده تخوض نضالا ضد (مثلث الشر) في مجال الاقتصاد, ويتضمن الفائدة, أسعار الصرف, والتضخم”، وأن هذه المتغيرات الثلاث أصبحت عقبة في وجه استقرار الاقتصاد التركي, بعد أن وصلت نسبة التضخم المالي فى هذا البلد إلى نسبة تتراوح ما بين 14% إلى 16.65%, الفائدة على القروض بين 17% و19%, فيما وصل سعر الصرف الليرة التركية إلى حد 1.47 جنيه مصري.

والتجارب العالمية تؤكد أن سهام “مثلث الشر” تبدأ مع تعاظم العجز في ميزان المدفوعات الوطني, وهو ذلك الميزان الذي يشمل التجارة الخارجية والمدفوعات المالية.

وكلما زاد العجز في هذا الميزان زادت التزامات الدولة الخارجية, وطالما أن دفع هذه الالتزامات لا يتم بالعملة المحلية ولكن بإحدى العملات العالمية, فأن الدولة تضطر إلى دفع مبالغ إضافية من عملتها المحلية من اجل شراء العملات الأجنبية, الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع قيمة العملة الأجنبية بوجه العملة المحلية, أو بكلام الاقتصاديين انخفاض في قيمة العملة المحلية.

على سبيل المثال قد تنخفض العملة المحلية من 10 وحدات للدولار الواحد إلى 15 وحدة. وفي الاقتصاد المفتوح (كثير الاعتماد على التجارة الخارجية), تصبح السلع المستوردة غالية الثمن داخليا, والتي سوف تؤثر على جميع نواحي الحياة.

طالع المزيد:

اكثر من ذلك, فأن انخفاض قيمة العملة المحلية تؤدي إلى ارتفاع الطلب الخارجي على السلع والخدمات المحلية, وبذلك فأن أسعار السوق المحلي تبدأ بالغليان من طريقين: زيادة الصادرات إلى الأسواق الخارجية وزيادة أسعار المواد المستوردة, وهو ما يطلق عليه التضخم المالي.

والتضخم المالي, بطبيعة الحال, لا يعفي قطاع , وهكذا يبدأ الزحف نحو البنوك التجارية, لينتج عنه ارتفاع بسعر الفائدة.

فلو كان سعر الفائدة 7% والتضخم 10%, ستكون النتيجة خسارة البنوك التجارية 3% من قيمة القروض, ومن اجل تجنب الخسارة تبدأ البنوك برفع نسبة الفائدة على القروض. فماهي النتيجة من كل ذلك؟

.. انخفاض في الاستثمارات المحلية, انخفاض في الطلب العام على السلع والخدمات, تراجع في الإنتاج الوطني, وزيادة نسبة العاطلين عن العمل.

نظريا, فأن إطفاء نار الأسعار هو زيادة أسعار الفائدة, وبعد أن تنخفض نسبة التضخم المالي, تنخفض معه نسبة الفائدة, ولكن على شرط تخفيض حجم العجز في ميزان المدفوعات, حتى إذا تطلب الأمر تخفيض الاحتياطي الخارجي. في كثير من الأحيان تلعب السياسة الداخلية والخارجية دورا مغايرا لما تسطره النظريات وتؤكدها الدراسات الاقتصادية.

وإصرار أردوغان على إبقاء نسبة الفائدة صغيرة, حتى لو تطلب الأمر إعفاء رئيس البنك المركزي التركي من منصبه، فأن الأخير أراد إبقاء نسبة الفائدة منخفضة من أجل إرضاء أنصاره من رجال الأعمال, حتى وأن أحرق التضخم المالي أصابع كل فقراء تركيا.

زر الذهاب إلى الأعلى